وحاصل هذه الأقاويل يرجع إلى أصل واحد، وهو: الطعن، وإظهار العيب، وأصل الهمز:
الكسر، والقبض على الشيء بعنف، والمراد منه هنا: الكسر من أعراض الناس بأقوالهم، وأعمالهم، وأصواتهم ليضحكوا منه. واختلفوا فيمن نزلت هذه السورة من كفار قريش على أقوال كثيرة، والأولى التعميم، وذلك؛ لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ، والحكم.
{الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ:} وإنما وصفه بهذا الوصف؛ لأنه يجري مجرى السبب، والعلة في الهمز، واللمز، يعني: وهو بإعجابه بما جمع من المال يستصغر الناس، ويسخر منهم.
{وَعَدَّدَهُ} أي: أحصاه من العدد. وقيل: هو من العدة؛ أي: استعده، وجعله ذخيرة له، وغنى مدخرا. وانظر شرح (جمع) في الآية رقم [١٨] من سورة (المعارج). هذا؛ ويقرأ بتخفيف الدالين على أنه اسم منصوب معطوف على {مالاً،} التقدير: جمع مالا، وعدده: وجمع عدده.
ولا يحسن أن يكون فعلا ماضيا معناه التشديد، مع فك التضعيف؛ لأن فك التضعيف، لا يجوز إلا إذا اتصل الفعل بضمير رفع متحرك، مثل مددت، ومددنا، ومددن، ولذا شذ قول الشاعر وهو قعنب بن أم صاحب: [البسيط]
مهلا أمامة قد جرّبت من خلقي... إنّي أجود لأقوام وإن ضننوا
فأراد الشاعر: ضنّوا، وبخلوا، فأظهر التضعيف، لكن الشعر موضع ضرورة، ولا يحمل القرآن على الضرورة، بل حمله على المعنى الذي ذكرته أولى، وأحق.
{يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ} أي: يظن: أنه يخلد في الدنيا، ولا يموت؛ ليساره، وغناه. قال:
الحسن البصري-رحمه الله تعالى-:
ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت. ومعناه: أن الناس لا يشكون في الموت، مع أنهم يعملون عمل من يظن أنه يخلد في الدنيا، ولا يموت، و {أَخْلَدَهُ} ماض بمعنى المستقبل أي: يظن لجهله: أن ماله يخلده؛ أي: يوصله إلى رتبة الخلود في الدنيا، فيصير خالدا فيها، فلا يموت، أو يعمل من تشييد البنيان الموثق بالحديد، والإسمنت، وغراس الأشجار، وعمارة الأرض عمل من يظن أن ماله يبقيه حيّا أبد الدهر. وانظر شرح (يحسب) في الآية رقم [٣] من سورة (القيامة).
الإعراب: {وَيْلٌ:} مبتدأ، سوغ الابتداء به، وهو نكرة معنى الدعاء فيه. {لِكُلِّ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، و (كلّ) مضاف، و {هُمَزَةٍ:} مضاف إليه. {لُمَزَةٍ:}
مرادف ل: {هُمَزَةٍ} على اعتبارهما بمعنى واحد، وبدل منه على اعتبارهما مختلفي المعنى.
{الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل جر بدلا من (كل)، أو هو في محل نصب مفعول به لفعل محذوف، تقديره: أعني، أو هو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو