فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها... فالذّكر للإنسان عمر ثان
هذا؛ وسميت {الْحُطَمَةِ} بذلك؛ لأنها تكسر كل ما يلقى فيها، وتحطمه، وتهشمه، والفعل من باب: ضرب. قال الراجز:[الرجز]
إنّا حطمنا بالقضيب مصعبا... يوم كسرنا أنفه ليغضبا
والمعنى: يا أيها الهمزة اللمزة الذي جمع المال، وعدده، والذي يأكل لحوم الناس، ويكسر من أعراضهم، إن وراءك الحطمة؛ التي تأكل اللحوم، وتكسر العظام. هذا؛ ويقرأ:
«(لننبذنّه)»، وقرئ: «(لينبذنّ)» بضم الذال، على أن المراد: الهمزة، واللمزة، والمال، وجامعه.
{وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ:} استفهام للتهويل، والتعظيم، والتفخيم لشأن النار المسماة بذلك، ثم ذكر الله بقوله:{نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ:} زيادة في تعظيمها، وتفخيمها أضافها ذو الجلالة والإكرام إلى نفسه، ومعنى {الْمُوقَدَةُ} لا تخمد أبدا، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوقد على النار ألف سنة حتّى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضّت، ثمّ أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت، فهي سوداء مظلمة». أخرجه الترمذي.
{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} أي: يبلغ ألمها، وحرها إلى القلوب، والمعنى: أنها تحرق كل شيء، وتأكله حتى تنتهي إلى الفؤاد، وإنما خص الفؤاد بالذكر؛ لأنه ألطف شيء في بدن الإنسان، وأنه يتألم بأدنى شيء، فكيف إذا اطلعت عليه، واستولت عليه، ثم إنه مع لطافته لا يحترق؛ إذ لو احترق لمات صاحبه؛ أي: إنه في حال من يموت، وهم لا يموتون. قال تعالى في سورة (طه) رقم [٧٤]: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى،} وقال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ} رقم [١٧] وإنما خص الفؤاد بالذكر؛ لأنه موطن الكفر والعقائد والنيات الفاسدة.
الإعراب:{كَلاّ:} حرف ردع، وزجر. {لَيُنْبَذَنَّ:} اللام: واقعة في جواب قسم محذوف، التقدير: وعزتي، وجلالي، ونحو ذلك. (ينبذن): فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة؛ التي هي حرف، لا محل له، والفاعل ضمير مستتر تقديره:«هو» يعود إلى {الَّذِي،} والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها، والقسم، وجوابه كلام مبتدأ بعد {كَلاّ} لا محل له. {فِي الْحُطَمَةِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر، التقدير: ملقى، أو مطروحا في الحطمة. {وَما:} الواو: واو الاستئناف.
وانظر سورة (القارعة) رقم [٣] فالإعراب مثله بلا فارق. {نارُ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير:
هي نار، والجملة الاسمية في محل نصب حال من (الحطمة)، والرابط: الضمير فقط، والعامل (ما) الاستفهامية. وقيل: بدل من (الحطمة)، و {نارُ:} مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه.