للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض، فاختلفوا في الحقّ بسبب تحاسدهم، وتباغضهم، وتدابرهم، فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته في جمع أقواله، وأفعاله؛ وإن كانت حقّا.

{وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ} أي: من جحد ما أنزل الله في كتابه من صفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم {فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ} لا يحتاج إلى عدّ، ولا إلى عقد، ولا إلى إعمال فكر، كما يفعله الحسّاب، ولهذا قال تعالى في سورة (الأنبياء): {وَكَفى بِنا حاسِبِينَ} وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في دعائه يوم الخندق: «اللهمّ منزل الكتاب، سريع الحساب...» إلخ. والمعنى: أن الله تعالى، لا يشغله شأن عن شأن، فكما يرزقهم في ساعة واحدة، يحاسبهم لذلك في ساعة واحدة. قال تعالى:

{ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ} رقم [٢٨] من سورة (لقمان) وقيل للإمام عليّ-رضي الله عنه-: كيف يحاسب الله العباد في يوم؟! قال: كما يرزقهم في يوم. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إذا أخذ الله في حسابهم: لم يقل أهل الجنة إلا فيها. هذا؛ ويقيل من القيلولة وهي الاستراحة وقت الظهيرة. ومعنى الحساب وفائدته تعريف الله العباد مقادير الجزاء على أعمالهم، وتذكيره إيّاهم ما قد نسوه بدليل قوله تعالى في سورة (المجادلة): {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ}.

هذا؛ وأما البغي، فهو الظلم، والاعتداء على حقّ الغير، وعواقبه ذميمة، ومآله وخيم، وعقباه أليمة؛ ولو أنّ له جنودا بعدد الحصى، والرّمل، والتّراب. ورحم الله من يقول-وهو الشاهد رقم [٢٣٩] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [البسيط]

لا يأمن الدّهر ذو بغي ولو ملكا... جنوده ضاق عنها السّهل والجبل

وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «لا تمكر، ولا تعن ماكرا، ولا تبغ، ولا تعن باغيا، ولا تنكث، ولا تعن ناكثا». وقال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ}. وقال جلّ شأنه: {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} وقال جلّ ذكره: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ} وقال أبو بكر الصّديق -رضي الله عنه-: «ثلاث من كنّ فيه؛ كنّ عليه» وتلا الآيات الثلاث، وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

«أسرع الخير ثوابا صلة الرّحم، وأعجل الشّرّ عقابا البغي، واليمين الفاجرة». وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنه قال: «لو بغى جبل على جبل؛ لدكّ الباغي».

فأخذه بعض الشعراء، فقال: [البسيط]

يا صاحب البغي إنّ البغي مصرعة... فاربع فخير مقال المرء أعدله

فلو بغى جبل يوما على جبل... لاندكّ منه أعاليه وأسفله

وكان المأمون يتمثّل بهذين البيتين في أخيه الأمين حين ابتدأه بالبغي عليه. قال الشّاعر الحكيم: [الكامل]

<<  <  ج: ص:  >  >>