للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي: أن أبرهة أخذ لعبد المطلب، مئتي بعير، فخرج إليه يطلبها منه، فلما رآه عظم في عينه، وكان عبد المطلب رجلا جسيما، ووسيما. وقيل لأبرهة: هذا سيد قريش، وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل، والوحوش، والطير في رؤوس الجبال، فلما ذكر حاجته، وهي الإبل. قال له أبرهة: سقطت من عيني! جئت لأهدم البيت؛ الذي هو دينك، ودين آبائك، وشرفكم في قديم الدهر، فألهاك عنه ذود من الإبل أخذ لك، فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وللبيت ربّ سيمنعه منك! قال: ما كان ليمنعه مني! فقال: أنت، وذاك! فأمر بإبله، فردت عليه.

فخرج عبد المطلب، فأخبر قريشا، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب، ويتحرزوا في رؤوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الجيش، ففعلوا، وأتى عبد المطلب الكعبة، وأخذ حلقة الباب، وجعل يقول: [الرجز]

يا ربّ لا أرجو لهم سواكا... يا ربّ فامنع منهم حماكا

إن عدوّ البيت من عاداكا... امنعهم أن يخربوا قراكا

وفي رواية أخرى (إنّهم لن يقهروا قواكا) وقال أيضا: [مجزوء الكامل]

لا همّ إن العبد يم‍... نع رحله فامنع رحالك

وانصر على آل الصّل‍... يب وعابديه اليوم آلك

لا يغلبنّ صليبهم... ومحالهم أبدا محالك

جرّوا جموع بلادهم... والفيل كي يسبوا عيالك

عمدوا حماك بكيدهم... جهلا وما رقبوا جلالك

إن كنت تاركهم وكع‍... بتنا فأمر ما بدا لك

تنبيه: لما خرج أبرهة من اليمن قاصدا مكة، فسمعت العرب بذلك، فعظموه، ورأوا جهاده حقا عليهم، فخرج ملك من ملوك اليمن، يقال له: ذو نفر بمن أطاعه من قومه. فقاتلوه، فهزمه أبرهة، وأراد قتله. فقال له: أيها الملك استبقني، فإن بقائي خير لك من قتلي. فاستحياه، وأوثقه، ثم سار حتى إذا دنا من بلاد خثعم، خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي في خثعم، ومن اجتمع إليه من قبائل اليمن، فقاتلوه، فهزمهم، وأخذ نفيلا، فقال نفيل: أيّها الملك إني خبير بأرض العرب، وهاتان يداي على قومي بالسمع، والطاعة. فاستبقاه، وخرج معه يدله، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن مغيث في رجال من ثقيف، فقال: أيها الملك نحن عبيدك، ليس عندنا خلاف لك، إنما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه «أبا رغال» مولى لهم، فخرج حتى إذا كان بالمغمّس؛ مات أبو رغال، وهو الذي يرجم قبره، وفيه يقول الشاعر: [الوافر]

<<  <  ج: ص:  >  >>