للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويقولون: قوم الرجل أعلم به، فكانت السعادة مقدرة للأوس، والخزرج في المدينة المنورة.

هذا؛ ومعنى {تَبَّتْ:} خابت، وخسرت، والتباب: الخسار، والهلاك. قال تعالى في سورة (غافر) رقم [٣٧]: {وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ}. وقال يمان بن رئاب: {تَبَّتْ} صفرت من كل خير، حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء: أنه لما قتل عثمان-رضي الله عنه-سمع الناس هاتفا يقول: [مجزوء الوافر]

لقد خلّوك، وانصرفوا... فما آبوا ولا رجعوا

ولم يوفوا بنذرهم... فيا تبّا لما صنعوا

وخص اليدين بالتباب؛ لأن العمل أكثر ما يكون بهما؛ أي: خسرتا، وخسر هو. وقيل:

المراد باليدين نفسه، وقد يعبر عن النفس باليد، كما قال تعالى في سورة (الحج) رقم [١٠]:

{بِما قَدَّمَتْ يَداكَ}. {وَتَبَّ:} قال الفراء: التب الأول دعاء، والثاني خبر، كما يقال:

أهلكه الله؛ وقد هلك.

و (أبو لهب) اسمه عبد العزى، وهو ابن عبد المطلب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وامرأته العوراء أم جميل، أخت أبي سفيان بن حرب، واسمها: أروى. وكلاهما كان شديد العداوة للنبي صلّى الله عليه وسلّم.

وكني بأبي لهب؛ لحسنه، وإشراق وجهه. فإن قلت: لم كناه، وفي الكنية تشريف، وتكرمة؟ قلت: فيه وجوه: أحدها: أنه كان مشتهرا بالكنية دون الاسم، فلو ذكره باسمه؛ لم يعرف.

الثاني: أنه كان اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية لما فيه من الشرك. الثالث: أنه لما كان من أهل النار، ومآله إلى النار، والنار ذات لهب، وافقت حاله كنيته، وكان جديرا بأن يذكر بها. الرابع: أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته بأن يدخله النار، فيكون أبا لها، تحقيقا للنسب، وإمضاء للفأل، والطيرة؛ التي اختارها لنفسه. الخامس: أن المراد بالكنية التحقير، كما بكنية أبي جهل. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

{ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ:} قال ابن مسعود-رضي الله عنه-: لما دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقرباءه إلى الله تعالى؛ قال أبو لهب: إن كان ما تقول يا بن أخي حقا، فأنا أفتدي نفسي بمالي، وولدي، فأنزل الله تعالى: {ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ} أي: أي شيء يغني عنه ماله؟! أي:

ما يدفع عنه عذاب الله ماله؛ الذي جمعه، واكتسبه. أو الذي ورثه من أبيه، والذي كسبه بنفسه.

هذا؛ وقيل: وما كسب من الأولاد. فإن ولد الرجل من كسبه، كما جاء في الحديث من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإنّ أولادكم من كسبكم». أخرجه الترمذي.

قال الآلوسي-رحمه الله تعالى-: كان لأبي لهب ثلاثة أبناء: عتبة، ومعتب، وعتيبة. وقد أسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>