للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سورة (الأنبياء) رقم [١٧]: {لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا إِنْ كُنّا فاعِلِينَ} وقال الشاعر الخزيمي: [الطويل]

فلو شئت أن أبكي دما لبكيته... عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع

وينبغي أن تعلم: أنه يكثر حذف مفعول هذين الفعلين بعد «لو» كما رأيت.

و «شيء» في اللّغة: عبارة عن كل موجود. إمّا حسّا كالأجسام، وإما حكما كالأقوال، نحو قلت شيئا. وجمع الشيء: أشياء، غير منصرف، واختلف في علّته اختلافا كثيرا، والأقرب ما حكي عن الخليل-رحمه الله تعالى-: إن وزنه شياء وزان حمراء، فاستثقل وجود همزتين في تقدير الاجتماع، فنقلت الأولى إلى أول الكلمة، فبقيت وزن لفعاء، كما قلبوا أدؤرا، فقالوا:

أدر وشبهه، وجمع الأشياء: أشايا.

وأما اليد؛ فإنها تطلق في الأصل على اليد الجارحة، وقد تطلق على النفس، والذات، كما في قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٩٥]: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقد تطلق على القدرة، والقوة، وهو كثير مثل قوله تعالى في سورة (ص) رقم [١٧]: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ} وخذ قول عروة بن حزام العذري، وهو الشاهد رقم [١١٦] من كتابنا فتح رب البرية: [الطويل]

وحمّلت زفرات الضّحى فأطقتها... ومالي بزفرات العشيّ يدان

كما تطلق اليد على النعمة، والمعروف، يقال: لفلان يد عندي؛ أي: نعمة، ومعروف، وإحسان. كما تطلق على الحيلة، والتدبير، فيقال: لا يد لي في هذا الأمر، أي: لا حيلة لي فيه، ولا تدبير. ويد الله في هذه الآية، وشبهها فيها مذهبان: مذهب الخلف التأويل بمعنى: القدرة، والقوة. ومذهب السّلف: التفويض، يقولون: الله أعلم بمراده. وبعضهم يقول: لله يد تليق به.

الإعراب: {قُلِ:} فعل أمر، وفاعله تقديره: أنت. {اللهُمَّ:} منادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب بيا المحذوفة، والمعوض عنها الميم المشددة في الآخر. (ملك:) فيه أوجه: أحدها: أنه بدل من: {اللهُمَّ}. والثاني: أنه عطف بيان. الثالث: أنه منادى ثان، حذف منه حرف النداء، أي: يا مالك الملك. الرابع: أنّه نعت ل‍ {اللهُمَّ} على الموضع، فلذلك نصب، وهذا ليس مذهب سيبويه، فإنه لا يجيز نعت هذه اللفظة لوجود الميم في آخرها؛ لأنها أخرجتها عن نظائرها من الأسماء، وأجاز المبرد من ذلك، واختاره الزجّاج. قالا: لأن الميم بدل من (يا)، والمنادى مع (يا) لا يمتنع وصفه، فكذا ما هو عوض منها، وأيضا فإن الاسم الكريم لم يتغيّر عن حكمه، ألا ترى إلى بقائه مبنيّا على الضم، كما كان مبنيّا مع (يا).

انتهى جمل نقلا عن السمين، ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (الروم): {قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ..}.

إلخ. وقولهما: المنادى مع (يا) لا يمتنع وصفه، أي: كما في قول جرير في مدح عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه، وهو الشاهد رقم [١٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [البسيط]

<<  <  ج: ص:  >  >>