للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{تُولِجُ:} تدخل، والماضي: أولج، فهو رباعي، ومصدره: الإيلاج، وأما الثلاثي فهو:

ولج، يلج، ومصدره: الولوج. والمراد بإيلاج الليل في النّهار، وبالعكس بأن يزيد كلّ منهما بما نقص من الآخر، وهو ظاهر في طول الليل، وقصره تبعا لفصول السنة. هذا؛ وفي الجملتين ردّ العجز على الصّدر، وفيها استعارة عجيبة، فإنّ الإيلاج عبارة عن إدخال هذا على هذا، أو إدخال هذا في هذا، وذلك؛ لأنّ ما ينقصه من الليل يزيده في النهار، والعكس، ولفظ الإيلاج أبلغ؛ لأنّه يفيد إدخال كلّ واحد منهما في الآخر بلطيف الممازجة، وشديد الملابسة. وبين {اللَّيْلَ} و {النَّهارِ} وبين {الْحَيَّ} و {الْمَيِّتِ} طباق، وهو من المحسّنات البديعية.

{وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ:} {الْحَيَّ} كالإنسان، والطائر، و {الْمَيِّتِ:} النّطفة تخرج من الإنسان، والبيضة تخرج من الطائر. {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ:} الإنسان، والطائر من النطفة، والبيضة.

{وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ:} النطفة، والبيضة من الإنسان، والطائر. ويقال أيضا في جميع البذور، وما يخرج منها من النباتات. وقال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-معناه: يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، وروي نحوه عن سلمان الفارسي-رضي الله عنه-. وروى معمر بن الزّهري: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل على نسائه، فإذا بامرأة حسنة الهيئة، قال: «من هذه؟» قلن: إحدى خالاتك قال: لو من هي؟ «قلن: هي خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الّذي يخرج الحيّ من الميّت». وكانت امرأة صالحة، وكان أبوها كافرا. خذ قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١٢٢]: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ}. انظر شرحها هناك.

{وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} أي: بغير تقدير، فيوسع في الدنيا استدراجا تارة، وابتلاء أخرى. وأما رزقه في الآخرة للمؤمنين؛ فيكون تكريما واسعا، لا يضبطه عدّ، ولا كيل، ولا وزن بخلاف رزق الدّنيا؛ فإنه مضبوط محصور، ورزق الآخرة لا ينتهي عدده، ولا ينقطع مدده، صاف عن كدّ الاكتساب، وخوف الحساب، ولا منّة فيه، ولا عذاب.

هذا و (ميت) أصله: ميوت، فقل في إعلاله: اجتمعت الواو، والياء، وسبقت إحداهما بالسّكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء، في الياء. هذا؛ وتخفف الياء بالسّكون، فيقال:

ميت، بفتح الميم وسكون الياء، وهو من فارقت روحه جسده، وجمعه: أموات، وأما المشدّد؛ فهو الحي الذي سيموت، وعليه قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وجمعه: موتى، قال بعض الأدباء في الفرق بينهما: [الطويل]

أيا سائلي تفسير ميت وميّت... فدونك قد فسّرت ما عنه تسأل

فمن كان ذا روح فذلك ميّت... وما الميت إلاّ من إلى القبر يحمل

<<  <  ج: ص:  >  >>