للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ} أي: ومن يوال الكفار، ويستعين بهم على المؤمنين، أو ينقل إليهم أخبار المؤمنين، أو يطلع الكافرين على عورات المؤمنين، فليس من دين الله في شيء، وليس من ولايته في شيء. وهذا أمر مقول من أنّ ولاية المولى معاداة أعدائه، وموالاة الله، وموالاة الكفار صنوان لا يجتمعان. كما قال الشاعر: [الطويل]

تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني... صديقك ليس النّوك عنك بعازب

فليس أخي من ودّني رأي عينه... ولكن أخي من ودّني في المغايب

{إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً} المعنى: إن الله نهى المؤمنين عن موالاة الكفار، ومداهنتهم، إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كافرين، فيداريهم؛ وقلبه مطمئنّ بالإيمان، دفعا عن نفسه من غير أن يستحل حراما، أو مالا حراما، أو يظهر الكفار على عورات المسلمين. والتقية لا تجوز إلا مع خوف القتل مع سلامة النية. قال الله تعالى في سورة (النّحل) رقم [١٠٦] {إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ} انظر شرحها هناك، فإنه جيد. والحمد لله! ثم هذه التقية رخصة، فلو صبر على إظهار إيمانه حتى قتل؛ كان له بذلك أجر عظيم، وأنكر قوم التقيّة.

فقال معاذ بن جبل، ومجاهد-رضي الله عنهم-: كانت التقية في جدّة الإسلام قبل قوّة المسلمين، فأمّا اليوم-أي: في زمننا-فقد أعزّ الله الإسلام أن يتّقوا من عدوّهم. وقال الحسن البصريّ-رحمه الله تعالى-: التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة. أقول: وفي هذه الأيام واقعة، ولا بدّ منها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنّ المسلم مضايق في دينه، وإقامة شعائره. هذا؛ وإن الشّيعة يقولون: إن عليّا-رضي الله عنه-سكت عن المطالبة بالخلافة تقية، فهم يصمونه بالجبن، وهم لا يعلمون، وحاشاه من الجبن، هذا وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ليس التّقيّة بالعمل، إنما التقيّة باللّسان. ورضي الله عن أبي الدّرداء؛ إذ قال: إنا لنبشّ في وجه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم.

{وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} أي: نقمته، وسطوته، وعذابه في مخالفة أمره، وموالاة أعدائه.

{وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ:} المرجع، والمنقلب، والمآب، فيجازيكم بأعمالكم، إن خيرا؛ فخير، وإن شرّا؛ فشرّ. وفي هذه الآية تهديد عظيم، ووعيد شديد. و {تُقاةً} أصله: (وقية) على وزن فعلة، ويجمع على: تقى، كرطبة، ورطب، فأبدلت الواو تاء، والياء ألفا لتحرّكها، وانفتاح ما قبلها.

وانظر مثلها في الآية رقم [١٠٢] مع اختلاف المعنى هنا، وهناك، فالإعلال واحد.

الإعراب: {لا:} ناهية جازمة. {يَتَّخِذِ:} فعل مضارع مجزوم ب‍ {لا}. {الْمُؤْمِنُونَ:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم. {الْكافِرِينَ:} مفعول به أوّل منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون فيه وفي سابقه عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {أَوْلِياءَ:} مفعول به ثان. {مِنْ دُونِ:} متعلقان ب‍ {أَوْلِياءَ} لأنه جمع: ولي، أو هما متعلقان بمحذوف صفة له. وقال الجمل: متعلقان بمحذوف حال من

<<  <  ج: ص:  >  >>