للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سورة (مريم): {وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ}. وقيل: لأنه مسح من الأقذار، وطهّر من الذنوب. وقيل: سمّي مسيحا؛ لأنّه كان مسيح القدمين، لا أخمص له. ولا أرتضيه؛ لأنه عيب في الرّجال، ونبينا صلّى الله عليه وسلّم كان خمصان الأخمصين. وأصله بالعبرانية المشيح بالشّين، فيعرّب، كما عرّب موسى، وأصله موشى، كما ذكرته لك مرارا. هذا وسمّي الدّجال مسيحا؛ لأنه ممسوح العينين، وقد يكون المسيح بمعنى الكذّاب، وهو بالدّجال ألصق، وعليه تكون الكلمة من الأضداد، وبعضهم يقول في الدّجال: المسيح بالخاء، قال الشاعر: [الرجز]

إنّ المسيح يقتل المسيحا

وأطلق على الدّجال المسيح بالحاء؛ لأنه يسيح في الأرض؛ أي: يطوفها، ويدخل جميع بلدانها إلا مكّة، والمدينة، وبيت المقدس، فالدّجال يمسح الأرض محنة، وابن مريم يمسحها منحة. وفي حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن سمرة بن جندب-رضي الله عنه-عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

وأنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم، وبيت المقدس، وأنّه يحصر المؤمنين في بيت المقدس... وذكر الحديث. وفي صحيح مسلم-رحمه الله تعالى-من قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «فبينما هو كذلك؛ إذ بعث الله المسيح بن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين، واضعا كفّيه على أجنحة ملكين. إذا طأطأ رأسه؛ قطر، وإذا رفعه؛ تحدّر منه جمان، كاللؤلؤ، فلا يحلّ لكافر يجد ريح نفسه إلا مات. ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه؛ حتى يدركه بباب لدّ، فيقتله...» إلخ الحديث بطوله.

قوله: مهرودتين، أي: في شقّتين، أو حلّتين. وقيل: الثوب المهرود الّذي يصبغ بالورس، ثمّ بالزعفران. والجمان-بضم الجيم-: حبات من الفضة، تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار، ولدّ بضم اللام، وتشديد الدال: بلدة في فلسطين.

تنبيه: يحكى: أنّ طبيبا نصرانيّا حاذقا جاء مجلس هارون الرشيد، فناظر عليّ بن الحسين الواقدي، رحمه الله تعالى، فقال النّصرانيّ: إنّ في كتابكم ما يدل على أن عيسى جزء من الله تعالى، وتلا هذه الآية، وقوله تعالى في سورة (النّساء) رقم [١٧٠]: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} فقرأ الواقدي رحمه الله له قوله تعالى في سورة (الأحقاف) رقم [١٣]: {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} وقال له: إذا يلزم أن تكون جميع الأشياء جزءا منه سبحانه.

فانقطع النصرانيّ، وأسلم، وفرح الرّشيد بذلك فرحا شديدا، وأعطى الواقديّ هدية فاخرة.

الإعراب: {إِذْ:} بدل من مثلها في الآية رقم [٤٢] وقال القرطبيّ: متعلقة ب‍ {يَخْتَصِمُونَ} ويجوز أن تكون متعلّقة بقوله: {وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ} وقال مكي مثله. والمعنى لا يؤيد قوله قطعا، وعلى الأول فالكلام كلّه معترض بين البدل، والمبدل منه. {قالَتِ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث. {الْمَلائِكَةُ:} فاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة: {إِذْ} إليها. ({يا}): أداة

<<  <  ج: ص:  >  >>