للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما أنزل الله من الكتب، والشرائع، والأحكام. وانظر ما عطف عليه في سورة (الصفّ) فإنّه جيد، {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ..}. إلخ: أحلّ لهم ما حرّم عليهم في شريعة موسى كالشّحوم، والثّروب، والسّمك، ولحوم الإبل، والعمل في يوم السبت. وهو يدلّ على أن شرع عيسى ناسخا لشرع موسى، عليهما السّلام؛ أي لبعض الأحكام، فإنّ قوله تعالى: {وَمُصَدِّقاً..}. إلخ يدلّ على أنه جاء مؤيدا لما في التوراة، يستثنى من ذلك ما أحلّه الله لهم في شريعة عيسى، وأيضا ما رفعه عنهم من الأغلال، والآصار. هذا؛ وبين (أحلّ) و (حرّم) طباق، وهو من المحسّنات البديعية.

{وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ:} وإنّما وحّد، وهي آيات كما رأيت في الآية السابقة؛ لأنها جنس واحد في الدّلالة على رسالته. {فَاتَّقُوا اللهَ:} خافوه، واعملوا ما يأمركم به. {وَأَطِيعُونِ:}

فيما آمركم به، وأنهاكم عنه، فإنّ طاعتي من طاعة الله. هذا؛ والبعض الذي أحلّه عيسى لهم، وكان محرّما عليهم في شريعة موسى-عليه السّلام-مثل تحليل لحوم الإبل، وأشياء من الشّحوم، كما ذكر الله في سورة الأنعام رقم [١٤٦] انظر شرحها هناك. وقد يوضع (البعض) بمعنى (الكلّ) إذا انضمّت إليه قرينة تدل عليه، كما في قول طرفة بن العبد، خاطب به عمرو بن هند الملك لما أراد قتله: [الطويل]

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا... حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض

الإعراب: {وَمُصَدِّقاً:} حال معطوف على متعلق ب‍ (آية) في الآية السابقة. وقال البيضاوي، وغيره: عطف على ({رَسُولاً}). ولا وجه له لاختلاف العامل، وفاعله. ثمّ قال: أو هو منصوب بإضمار فعل دل عليه {قَدْ جِئْتُكُمْ} أي: وجئتكم مصدقا. وهو جيد، ومؤيّد للأوّل؛ الذي ذكرته. {لِما:} انظر الآية رقم [٣] ففيها الكفاية. {بَيْنَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة:

(ما) أو بمحذوف صلتها، التقدير: مصدقا للذي، أو: لشيء يوجد {بَيْنَ يَدَيَّ:} و {بَيْنَ} مضاف، و {يَدَيَّ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، وياء المتكلم ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {مِنَ التَّوْراةِ:} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المستتر في متعلق الظرف، و {مِنَ} بيان لما أبهم في (ما).

{وَلِأُحِلَّ} الواو: حرف عطف. ({لِأُحِلَّ}): مضارع منصوب ب‍ «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل مستتر تقديره: أنا، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، التقدير: وجئتكم؛ لأحل، وقال البيضاوي- رحمه الله تعالى-: أو هو مردود على قوله: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ} أو هو معطوف على معنى:

({مُصَدِّقاً}) كقولهم: قد جئتك معتذرا، ولأطيّب قلبك. {بَعْضَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة. {حُرِّمَ} فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى: {الَّذِي} وهو العائد، والجملة صلته. {عَلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان به.

<<  <  ج: ص:  >  >>