{وَلكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ} جمع: رباني، وفيه قولان: أحدهما: أنه منسوب إلى الربّ، والألف والنون فيه زائدتان في النسب دلالة على المبالغة. والثاني: أنه منسوب إلى ربّان، والرّبان: هو المعلم للخير، ومن يسوس الناس، ويعرّفهم أمر دينهم، فالألف، والنون دالان على زيادة في الوصف، كهي في: عطشان، ونحوه. والثاني هو قول المبرد. واختلفوا في معنى الرّباني، فقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: معناه: كونوا فقهاء، علماء. وعنه: كونوا فقهاء معلّمين.
وقيل: الرّباني: الذي يربّي الناس بصغار العلم، وكباره. وقيل: الرّبانيّ: العالم الذي يعمل بعمله. وقيل: الرّباني: العالم بالحلال، والحرام، والأمر، والنهي. وقيل: الرّبانيّ: الذي جمع بين علم البصيرة، والعلم بسياسة الناس. ولما مات ابن عباس-رضي الله عنهما-قال ابن الحنفية-رضي الله عنهما-: اليوم مات ربانيّ هذه الأمّة. وانظر شرح:{رِبِّيُّونَ:} في الآية رقم [١٤٦]: ومعنى الآية على ما تقدّم: لا أدعوكم إلى أن تكونوا عبادا لي، ولكن أدعوكم إلى أن تكونوا ملوكا، وعلماء، ومعلمين الناس الخير، ومواظبين على طاعة الله، وعبادته. وقال أبو عبيدة-رحمه الله تعالى-: أحسب: أنّ هذه الكلمة ليست عربيّة، إنما هي عبرانيّة، أو سريانية، وسواء أكانت عربية، أو عبرانية؟ فهي تدل على الذي علم، وعمل بما علم، وعلّم الناس طريق الخير. {بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ..}. إلخ: أي: كونوا ربانيين بسبب كونكم عالمين، ومعلمين، وبسبب دراستكم الكتاب. فنزلت الآية على: أن العلم، والتعليم، والدراسة توجب أن يكون العبد ربانيّا، فمن اشتغل بالعلم، والتعليم لا لهذا المقصود؛ ضاع علمه، وخاب سعيه.
تنبيه: في الآية الكريمة تكذيب، وردّ على النصارى؛ حيث زعموا: أن عيسى-عليه الصلاة والسّلام-أمرهم بعبادته. وقيل: إنّ أبا رافع القرظي، والسّيد النّجراني، قالا للرّسول صلّى الله عليه وسلّم: يا محمد! أتريد أن نعبدك، ونتخذك ربّا؟! فقال: معاذ الله أن يعبد غير الله، وأن نأمر بعبادة غير الله، فما بذلك بعثني الله، ولا بذلك أمرت، فنزلت الآية. وقيل: قال رجل: يا رسول الله! نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيّكم، واعرفوا الحقّ لأهله. وفي حديث آخر:«لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها كلّما دخل عليها؛ لما فضّله الله عليها».
بعد هذا؛ ف (الناس) اسم جمع، لا واحد له من لفظه، مثل: قوم، ورهط... إلخ:
واحده: إنسان، وإنسانة من غير لفظه، وتصغيره: نويس. وناس، وإنسان، وأناسيّ، وإنس من مادة واحدة، وهو يطلق على الإنس، والجن، لكن غلب استعماله في الإنس. قال تعالى:{مِنْ}