الله للصواب، ويوفق للإيمان قوما جحدوا نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم بعد تصديقهم إيّاه، وإقرارهم بما جاء به من عند ربّه.
{وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ} أي: الحجج، والبراهين، والمعجزات الدّالة على نبوّته؛ التي بمثلها ثبتت النبوة. {وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} أي: لا يوفقهم إلى الحقّ، والصّواب؛ لما سبق في علمه تعالى: أنهم ظالمون، وأنّهم لا يهتدون.
هذا؛ والمراد ب {الظّالِمِينَ} في هذه الآية: الكفار، كما عبّر الله عنهم في آيات كثيرة ({الْمُجْرِمِينَ}) و ({الْفاسِقِينَ}) و ({الْكاذِبِينَ}) وغير ذلك، وإننا نجد الكثير من المسلمين يتّصفون بهذه الصفات، فهل يوجه إليهم التهديد، والوعيد، كما يوجه إلى الكفار؟ الحقّ أقول: نعم، يوجّه إليهم ذلك، ولا سيّما من قرأ منهم القرآن الكريم، واطّلع على أخبار الأمم السابقة، والقرون السالفة؛ كيف نكّل الله بهم، وجعلهم عبرة للمعتبرين؟! وإنّما سمّي الكافر ظالما؛ لأنه وضع العبادة في غير موضعها، وكلّ من يدّعي الإسلام، ولا يعمل بتعاليمه؛ فهو ظالم لنفسه، ويستحقّ ما يستحقّ الكافر من العذاب في الدّنيا، والآخرة.
الإعراب: {كَيْفَ:} اسم استفهام، واستبعاد مبني على الفتح في محل نصب حال، عامله ما بعده. {يَهْدِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمّة مقدّرة على الياء للثقل.
{اللهُ:} فاعله. {قَوْماً:} مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {كَفَرُوا:}
فعل ماض، وفاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل نصب صفة {قَوْماً}. {بَعْدَ:}
ظرف زمان متعلق بما قبله، وهو مضاف، و {إِيمانِهِمْ} مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة. ({شَهِدُوا}): ماض، وفاعله. {أَنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الرَّسُولَ:} اسمها.
{حَقٌّ:} خبرها، والمصدر المؤوّل منها، ومن اسمها، وخبرها في محل نصب مفعول به عند سيبويه، وفي محل نصب بنزع الخافض عند الخليل. والجملة الفعلية فيها ثلاثة أوجه: أحدها:
أنها في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير، وهي على تقدير «قد» قبلها. والثاني: أنّها معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مثلها؛ أي: كيف يهديكم الله بعد اجتماع الأمرين. والثالث: أن يكون التقدير: وأن شهدوا؛ أي: بعد أن آمنوا، وأن شهدوا، فيكون معطوفا على: {إِيمانِهِمْ} على هذا التأويل. انتهى عكبري. وأقواها الوجه الأول.
{وَجاءَهُمُ:} الواو: حرف عطف. ({جاءَهُمُ}): فعل ماض، والهاء مفعول به. {الْبَيِّناتُ:}
فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها على الأوجه الثلاثة فيها. {وَاللهُ:} الواو: حرف استئناف. ({اللهُ}): مبتدأ. {لا:} نافية. {يَهْدِي:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والفاعل يعود إلى ({اللهُ}) والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محلّ لها.
{الْقَوْمَ:} مفعول به، {الظّالِمِينَ:} صفة: {الْقَوْمَ} منصوب مثله، وعلامة نصبه الياء... إلخ.