للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتماثلان في بعضهما، ثمّ حذفت الهمزة من أولهما، استغناء عنها بحركة الخاء والشين، وقد يستعمل «خير» و «شر» على الأصل، كقراءة بعضهم قوله تعالى في سورة (القمر): («سيعلمون غدا من الكذّاب الأشر») بفتح الشين، ونحو قول رؤبة بن العجّاج: [الرجز]

يا قاسم الخيرات وابن الأخير... ما ساسنا مثلك من مؤمّر

و: خير، وشر، وحب، يستعملن بصيغة واحدة للمذكّر، والمؤنث، والمفرد، والمثنّى، والجمع؛ لأنهنّ بمعنى أفعل، كما رأيت. {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ:} انظر الآية رقم [١٠٤] وخذ هنا ما يلي:

عن حذيفة بن اليمان-رضي الله عنه-: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «والّذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله لأن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم تدعونه، فلا يستجاب لكم». أخرجه أحمد، والترمذيّ، وابن ماجة. وعن درّة بنت أبي لهب-رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! من خير النّاس؟ قال: «أتقاهم للرّبّ، وأوصلهم للرّحم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر». رواه البيهقيّ، وغيره. وقال الإمام أحمد: قام رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله! أيّ النّاس خير؟ ... إلخ الحديث، وذكر ما روته درّة.

{وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ:} الإيمان بالله يتضمن كلّ ما أمر أن يؤمن به. وإنّما أخّره، وحقّه أن يقدّم؛ لأنّه قصد بذكره الدّلالة على أنّهم أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر إيمانا بالله، وتصديقا به، وإظهارا لدينه. وأيضا: فالإيمان يشترك فيه جميع الأمم المؤمنة، وإنّما فضّلت هذه الأمّة الإسلاميّة على غيرها بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فكان ذلك سببا في تأخير الإيمان بالذّكر.

{وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ} أي: اليهود، والنّصارى بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، وبالدّين الذي جاء به.

{لَكانَ خَيْراً لَهُمْ} أي: لكان الإيمان خيرا لهم ممّا هم فيه من الرّئاسة، ومن حطام الدّنيا؛ الذي اغترّوا فيه، ولو أنّهم آمنوا؛ لحصل لهم عزّ الدنيا، وسعادة الآخرة. {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} كعبد الله بن سلام، وأصحابه؛ الّذين أسلموا من اليهود، والنّجاشي، وأصحابه؛ الّذين أسلموا من النصارى. {وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ} أي: المتمرّدون في الكفر، والطّغيان، والفساد. بعد هذا فخد ما يلي بشأن هذه الأمة.

ففي مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي من رواية حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه؛ قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنتم توفون سبعين أمّة، أنتم خيرها وأكرمها على الله عزّ وجلّ». وإنّما حازت هذه الأمّة قصب السبق إلى الخيرات بنبيّها صلّى الله عليه وسلّم فإنّه أشرف خلق الله، وأكرم الرّسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم، لم يعطه نبيّ، ولا رسول قبله، فالعمل على منهاجه، وسبيله يقوم القليل منه مالا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه. ومن قوله صلّى الله عليه وسلّم من الأمور التي خصّه الله بها: «وجعلت أمّتي خير الأمم». رواه الإمام أحمد من حديث عليّ، كرّم الله وجهه.

<<  <  ج: ص:  >  >>