قال سهل بن عبد الله-رحمه الله تعالى-: الشكر: هو الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب للمعصية في السرّ، والعلانية. وقالت طائفة أخرى: الشكر: هو الاعتراف في تقصير الشّكر للمنعم، ولذلك قال تعالى:{اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً} فقال داود-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: كيف أشكرك يا ربّ؛ والشكر نعمة منك عليّ؟ فقال تعالى: الآن قد عرفتني، وشكرتني؛ إذ قد عرفت: أن الشكر منّي نعمة عليك. وقال موسى-عليه السّلام-:
كيف أشكرك، وأصغر نعمة وضعتها بيدي من نعمك لا يجازي بها عملي كله؟ فأوحى الله إليه:
يا موسى! الآن شكرتني. وقال ذو النون المصري-رحمه الله تعالى-: الشكر لمن فوقك بالطّاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان، والإفضال. قرطبي بتصرف.
هذا؛ وشكر الله يستوجب المزيد من النعم، قال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}. وجحودها يستوجب سلبها، وذهابها. قال تعالى في الآية نفسها رقم [٧]: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ}. لذا قيل: إنّ الشكر قيد النعمة الموجودة، وبه تنال النعمة المفقودة. وينبغي أن تعلم: أن فائدة الشكر تعود على الشاكر نفسه، قال تعالى في سورة (النّمل) رقم [٤٠]: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}. وقال تعالى في سورة (لقمان) رقم [١٢]: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}. هذا؛ والشكر مطلوب لكلّ منعم، ومحسن، ولو كان من البشر، لذا فقد ندبنا سيّد الخلق، وحبيب الحقّ صلّى الله عليه وسلّم على أن نشكر من أحسن إلينا من الناس؛ لذا قال تعالى:{اُشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} وخذ ما يلي:
فعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال:«من أعطي عطاء، فوجد؛ فليجز به، فإن لم يجد؛ فليثن، فإنّ من أثنى؛ فقد شكر، ومن كتم؛ فقد كفر، ومن تحلّى بما لم يعط؛ كان كلابس ثوبي زور». أخرجه الترمذيّ. وعن أسامة بن زيد-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرا؛ فقد أبلغ في الثّناء».
وعن النّعمان بن بشير-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير. ومن لم يشكر النّاس؛ لم يشكر الله. والتّحدّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب». قال الخطابي-رحمه الله تعالى-: هذا الكلام يتأول على معنيين: أحدهما: أنّ من كان طبعه كفران نعمة الناس، وترك الشكر لمعروفهم؛ كان من عادته كفران نعم الله، عز وجل، وترك الشكر له. والوجه الآخر: أنّ الله تعالى لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان النّاس إليه، ويكفر معروفهم؛ لاتصال أحد الأمرين بالآخر. ورحم الله من قال:[الطويل]
ومن لم يؤدّ الشّكر للنّاس لم يكن... لإحسان ربّ النّاس يوما بشاكر
الإعراب:{وَلَقَدْ:} الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، تقديره: والله. والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. هذا؛ وبعضهم يعتبر (الواو) عاطفة. وبعضهم