للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستكثروا عدد عدوّهم، فوعدهم الرسول المعظم بأنّ الله سيمدّهم بألف من الملائكة. واختلف المفسرون في هذا الوعد: هل كان يوم بدر، أو يوم أحد؟ على قولين: أحدهما: أنّ هذا الكلام متعلق بقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ}. قاله عباد بن منصور، واختاره ابن جرير. وقال الربيع بن أنس-رضي الله عنه-: أمدّ الله المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة، ثم صاروا خمسة آلاف.

القول الثاني: أنّ هذا الوعد متعلّق بقوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ..}. إلخ، وذلك يوم أحد، وهو قول مجاهد، وعكرمة، والضحّاك، رضي الله عنهم، لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف؛ لأن المسلمين فرّوا يومئذ، ولم يصبروا، ولم يثبتوا، ولكن ثبت بأنّ الله أيّد الرسول صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، فقد قال عمير بن إسحاق-رضي الله عنه-: لما كان يوم أحد؛ انجلى القوم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبقي سعد بن مالك-رضي الله عنه-يرمي-وفتى شاب يتنبّل له، كلّما فني نبله؛ أتاه به فنثره، وقال: أرم أبا إسحاق! ارم أبا إسحاق! مرّتين. فلمّا انجلت المعركة سئل عن ذلك الرّجل، فلم يعرف. وعن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-قال: رأيت عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعن شماله يوم أحد رجلين، عليهما ثياب بيض، يقاتلان عنه، كأشدّ القتال، ما رأيتهما قبل، ولا بعد. يعني: جبريل، وميكائيل، عليهما السّلام. متفق عليه.

وهناك من يقول: إنّ الملائكة نزلت يوم الخندق، فقد صبر المسلمون يومئذ، واتّقوا، وثبتوا. فقد قالت عائشة-رضي الله عنها-: لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الخندق، ووضع السلاح، واغتسل؛ أتاه جبريل، عليه السّلام، فقال: قد وضعت السّلاح؟ والله ما وضعناه! أخرج إليهم. قال: فإلى أين؟ قال: هاهنا. وأشار إلى بني قريظة. فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم إليهم. متّفق عليه.

وعن أنس-رضي الله عنه-قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل عليه السّلام حين سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بني قريظة. أخرجه البخاري.

هذا؛ ونزول الملائكة إنّما هو لتشريف هذه الأمّة، ولإلقاء الرّعب في قلوب المشركين. ويسأل لماذا ينزل الآلاف من الملائكة، وجبريل-عليه السّلام-أهلك أقواما كثيرين بصيحة واحدة، كقوم لوط، وقوم صالح، والجواب: أن هذا كلّه في عذاب الاستئصال، وقوم محمد صلّى الله عليه وسلّم لم يستأصلوا كما هو معروف؛ لأنّ الله علم: أن فيهم من يؤمن بالله. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {إِذْ:} بدل من: ({إِذْ غَدَوْتَ}) أو هي متعلقة بالفعل: {نَصَرَكُمُ} على حسب ما رأيت من الاختلاف في التفسير. وقيل: متعلق بفعل محذوف، تقديره: اذكر. {تَقُولُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره: أنت. {لِلْمُؤْمِنِينَ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {أَلَنْ:}

الهمزة: حرف استفهام إنكاري. ({لَنْ}): حرف نفي، ونصب، واستقبال. {يَكْفِيَكُمْ:} فعل مضارع منصوب ب‍ ({لَنْ}) والكاف مفعول به. ({أَنْ}): حرف مصدري، ونصب. {يُمِدَّكُمْ:} فعل مضارع منصوب ب‍ {أَنْ:} والكاف مفعول به. {رَبُّكُمْ:} فاعله، والكاف في محل جر

<<  <  ج: ص:  >  >>