وإليه الإشارة بقوله جلّ ذكره:{مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} والثاني: إيصال الثواب، وإليه الإشارة بقوله تعالى شأنه:{وَجَنّاتٌ تَجْرِي..}. إلخ؛ أي: ذلك لهم ذخر لا يبخس، وأجر لا يوكس. {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ} أي: ونعم ثواب المطيعين؛ أي: الجنة، وما فيها من النّعيم، والخير العميم.
تنبيه: لا يلزم من إعداد الجنّة للمتقين، والتائبين جزاء لهم ألا يدخلها المصرّون، كما لا يلزم من إعداد النار للكافرين جزاء لهم ألا يدخلها غيرهم، بل المصرّون يدخلون الجنّة بعد أن يعذّبوا في نار الجحيم على حسب جرائمهم، ويدخل النّار من غير الكافرين عصاة المسلمين من الفاسدين، والظّالمين في هذه الدّنيا. وتنكير ({جَنّاتٌ}) على الأول يدلّ على أنّ ما لهم دون ممّا للمتّقين الموصوفين بتلك الصّفات المذكورة في الآية المتقدّمة، وكفاك فارقا بين القبيلتين: أنّه فصّل آيتهم، بأن بيّن: أنّهم محسنون، مستوجبون لمحبّة الله، وذلك؛ لأنّهم حافظوا على حدود الشرع، وتخطّوا التّخصّص بمكارمه. وفصّل آية هؤلاء بقوله:{وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ؛} لأنّ المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيل بعض ما فوّت على نفسه، وكم بين المحسن، والمتدارك، والمحبوب، والأجير! ولعل تبديل لفظ الجزاء بالأجر لهذا النّكتة. انتهى بيضاوي.
وفي هذا ردّ على الزّمخشري القائل: وفي هذه الآيات بيان قاطع: أنّ الذين آمنوا على ثلاث طبقات: متّقون، وتائبون، ومصرّون، وأنّ الجنّة للمتّقين، والتّائبين منهم دون المصرّين.
ومن خالف في ذلك، فقد كابر عقله، وعاند ربّه. انتهى كشّاف. وقد صفعه ابن المنير-رحمه الله تعالى-صفعة ناعمة، ثمّ ذكر ما يلي:
روي: أنّ الله-عز وجل-أوحى إلى موسى-عليه السّلام-: «ما أقلّ حياء من يطمع بجنّتي بغير عمل؟! كيف أجود برحمتي على من بخل عليّ بطاعتي؟!» وعن شهر بن حوشب-رحمه الله تعالى-: طلب الجنّة بلا عمل ذنب من الذنوب، وانتظار الشّفاعة بلا سبب نوع من الغرور.
وارتجاء الرحمة ممّن لا يطاع حمق، وجهالة. وعن الحسن-رضي الله عنه-: يقول الله يوم القيامة: جوزوا الصّراط بعفوي، وادخلوا الجنّة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم. وعن رابعة البصريّة-رضي الله عنها-: أنها كانت تنشد، وفي كتاب أدب الدّنيا، والدّين: أن ذلك لأبي العتاهية الصّوفي: [البسيط]
ما بال دينك ترضى أن تدنّسه... وثوب دنياك مغسول من الدّنس
ترجو النّجاة ولم تسلك مسالكها... إنّ السّفينة لا تجري على اليبس
الإعراب:{أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محل له. {جَزاؤُهُمْ:} مبتدأ ثان، والهاء في محل جرّ بالإضافة، من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. مغفرة: خبره، والجملة الاسمية في محلّ رفع خبر المبتدأ. هذا؛