للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{جاهَدُوا مِنْكُمْ:} قال الإمام فخر الدّين الرازي-رحمه الله تعالى-: ظاهر الآية يدلّ على وقوع النفي عن العلم، والمراد وقوعه على نفي المعلوم، والتقدير: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة، ولمّا يصدر الجهاد عنكم، وتقديره: أنّ العلم متعلّق بالمعلوم، كما هو عليه، فلما حصلت هذه المطابقة؛ لا جرم حسن إقامة كلّ واحد منهما مقام الآخر. وقال الواحدي-رحمه الله تعالى- النفي في الآية واقع على العلم، والمعنى على الجهاد دون العلم، وذلك لما فيه من الإيجاز في انتفاء جهاد لو كان؛ لعلمه، والتقدير: ولمّا يكن المعلوم من الجهاد، الذي أوجب عليكم.

فجرى النفي على العلم للإيجاز على سبيل التوسّع في الكلام؛ إذ المعنى مفهوم من غير إخلال.

وقال الزجّاج-رحمه الله تعالى-: المعنى: ولما يقع العلم بالجهاد، والعلم بصبر الصابرين، أي: ولمّا يعلم الله ذلك واقعا منكم؛ لأنّه يعلمه غيبا، وإنّما يجازيهم على عملهم. انتهى خازن بحروفه.

{وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ} يعني: في الحرب، وعلى ما نالهم في ذات الله عز وجل من جراح، وألم، ومكروه. وفي هذه الآية معاتبة لمن انهزم يوم أحد، والمعنى: أم حسبتم أيها المنهزمون يوم أحد أن تدخلوا الجنّة كما دخلها الّذين قتلوا، وبذلوا مهجهم لربّهم، عزّ وجل، وصبروا على ألم الجراح، والطعن، وثبتوا لعدوّهم من غير أن تسلكوا طريقهم، وتصبروا صبرهم. انتهى خازن. وانظر سبب نزول الآية رقم [٢١٤] من سورة (البقرة) فهو شبيه بما هنا.

تنبيه: لعلّك تدرك معي: أنّ في الآيات التفاتا كثيرا من الخطاب إلى الغيبة، ثم إلى الخطاب، ثم إلى التكلّم، ثمّ إلى الغيبة، ثم إلى الخطاب، ثمّ إلى الغيبة، ثمّ إلى الخطاب، استخرج ذلك بنفسك، وانظر شرح الالتفات الآية رقم [٥٦]. والله ولي التوفيق.

الإعراب: {أَمْ:} حرف عطف. وهي بمعنى «بل» التي للإضراب. {حَسِبْتُمْ:} فعل، وفاعل. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب، واستقبال. {تَدْخُلُوا:} فعل مضارع منصوب ب‍ {أَنْ} وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمصدر المؤوّل منهما في محل نصب سدّ مسدّ مفعولي: {حَسِبْتُمْ} والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {الْجَنَّةَ} منصوب على الظرفية المكانية عند بعض النّحاة، وفي مقدّمتهم سيبويه، والمحقّقون، وعلى رأسهم الأخفش ينصبونه على التوسّع في الكلام بإسقاط الخافض، لا على الظّرفية، فهو منتصب عندهم انتصاب المفعول به على السّعة، بإجراء اللازم مجرى المتعدّي، ومثل ذلك قل في: (دخلت المدينة، ونزلت البلد، وسكنت الشّام)، وأيضا قوله تعالى: {اِهْبِطُوا مِصْراً} وهذا إذا كان الفعل ثلاثيّا، وأما إذا كان رباعيّا بأن دخلت عليه همزة التعدية، ونصب مفعولين؛ فإنه يقال في المفعول ما ذكر في مفعول الثلاثي، والمفعول الأول يكون صريحا، مثل: أدخلت خالدا البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>