للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منصوبا بإضمار فعله، مثل: معاذ الله، وقد أجري علما على التّسبيح بمعنى التنزيه على الشّذوذ في قول الأعشى: [السريع]

قد قلت لمّا جاءني فخره: ... سبحان من علقمة الفاخر

وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار، والجهل بحقيقة الحال، لذلك جعل مفتاح التوبة بقوله تعالى حكاية عن قول يونس-على نبينا وعليه ألف صلاة وألف سلام-: {سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ} وقد نزّه الله ذاته في كثير من الآيات تنزيها يليق بجلاله، وعظمته. وجملة القول فيه: هو اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكّن؛ لأنه لا يجري بوجوه الإعراب، من رفع، وجرّ، ولا تدخل عليه الألف واللام، ولم يجئ من لفظه فعل، وذلك مثل: قعد القرفصاء، ولم ينصرف؛ لأن في آخره زائدتين: الألف، والنون، ومعناه: التنزيه، والبراءة لله-عزّ وجلّ من كل نقص-فهو ذكر لله تعالى، لا يصلح لغيره، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٣٠].

والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي من معناه لا من لفظه؛ إذ لم يجر له فعل من لفظه، وذلك مثل: قعد القرفصاء، فالتقدير عنده: أنزه الله تنزيها، فوقع سبحان الله مكان قولك:

تنزيها لله، وانظر الإعراب.

{لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا} أي: إنك أجلّ من أن نحيط بشيء من علمك إلا ما علّمتنا، فهو اعتراف بالعجز، والقصور، وإشعار بأنّ سؤالهم كان استفسارا، ولم يكن اعتراضا، وأنّه قد بان لهم ما قد خفي عليهم من فضل الإنسان، والحكمة في خلقه، وإظهار لشكر نعمته بما عرفهم، وكشف لهم ما اعتقل عليهم، ومراعاة للأدب بتفويض العلم كلّه إليه. انتهى. بيضاوي.

{الْعَلِيمُ:} الذي لا يخفى عليه خافية في الأرض، ولا في السماء، فهو: «فعيل» للمبالغة والتكثير في المعلومات في خلق الله تعالى. {الْحَكِيمُ} معناه: الحاكم، وبينهما مزيد المبالغة، وقال قوم: {الْحَكِيمُ:} المانع من الفساد، ومنه سمّيت حكمة اللجام؛ لأنها تمنع الفرس من الجري، والذهاب في غير قصد، قال جرير: [الكامل]

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم... إنّي أخاف عليكم أن أغضبا

أي: امنعوهم من الفساد، هذا؛ و {الْحَكِيمُ} هو الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة، وقدم {الْعَلِيمُ} على {الْحَكِيمُ} لأنه هو المفضل به في قوله: {وَعَلَّمَ} وقوله: {لا عِلْمَ لَنا} فناسب اتصاله به، ولأن الحكمة ناشئة عن العلم، وأثر له، ولا تنس: أنهما من صيغ المبالغة.

فائدة: قال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-: الواجب على من سئل عن علم أن يقول إن لم يعلم: «الله أعلم، ولا أدري» اقتداء بالملائكة، والأنبياء، والفضلاء من العلماء، ولكن قد أخبر الصّادق المصدوق: أنّ بموت العلماء يقبض العلم، فيبقى ناس جهّال يستفتون، فيفتون في رأيهم، فيضلّون، ويضلّون.

<<  <  ج: ص:  >  >>