للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمن من المنافق، وليتميّز أحدهما من الآخر، كقوله جلّ ذكره: {وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ} رقم [١٤١]. هذا؛ والنفاق: إظهار الإيمان، وإخفاء الكفر، وسمّي المنافق منافقا، أخذا من: نافقاء اليربوع، وهو جحره الذي يقيم فيه، فإنّه يجعل له بابين، ويدخل من أحدهما، ويخرج من الآخر، فكذلك المنافق يدخل مع المؤمنين بقوله: أنا مؤمن، ويدخل مع الكافرين بقوله: أنا كافر. وكان المنافقون في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثلاثمائة من الرجال، ومائة من النساء، هذا وقال تعالى في سورة (التوبة): {الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ..}. إلخ.

هذا؛ وقد يتصف مؤمن بصفات المنافقين، فيكذب في القول، ويخلف في الوعد، ويخون في الأمانات، ويفجر في الخصومة، فهذا يقال له: نفاق العمل، وأمّا الأول؛ فيقال له: نفاق العقيدة، وهو أخبث من الكفر، وعقابه أشدّ منه، قال تعالى في سورة (النساء) رقم [١٤٥]: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً}. وقد حذّر الرسول صلّى الله عليه وسلّم من نفاق العمل، والاتصاف به، فإنّه يجرّ إلى نفاق العقيدة. وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان». رواه البخاريّ، ومسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع من كنّ فيه؛ كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ، كانت فيه خصلة من النّفاق؛ حتّى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر». رواه البخاريّ، ومسلم.

{وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا:} المقول له عبد الله بن أبيّ ابن سلول المنافق، وأصحابه، وذلك: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى أحد بألف رجل؛ حتى إذا كان بالشّوط بين أحد، والمدينة؛ انخذل عبد الله المنافق بثلث النّاس، وقال: ما ندري علام نقتل أنفسنا؟! فرجع بمن معه من المنافقين، فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر-رضي الله عنه-، وهو يقول:

يا قوم! أذكّركم الله أن تخذلوا نبيّكم عند حضور عدوّه! تعالوا قاتلوا في سبيل الله-أي: لأجل دين الله وطاعته-أو ادفعوا عن أموالكم، وأهليكم! وقيل: معناه: تعالوا كثّروا سواد المسلمين؛ إن لم تقاتلوا، ليكون ذلك دفعا، وقمعا للعدو، فإنّ السّواد إذا كثر؛ حصل دفع العدو. قال أنس -رضي الله عنه-: رأيت يوم القادسية عبد الله ابن أمّ مكتوم الأعمى، وعليه درع يجرّ أطرافها.

وبيده راية سوداء، فقيل له: أليس قد أنزل الله عذرك؟ فقال: بلى، ولكنّي أكثّر سواد المسلمين بنفسي. ومعنى قوله-رضي الله عنه-: إن لم تقاتلوا في سبيل الله، فقاتلوا دفعا عن أنفسكم، وحريمكم. ألا ترى أنّ قزمان بن الحارث العبسي المنافق، قال: والله ما قاتلت إلا عن أحساب قومي، وقال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر».

<<  <  ج: ص:  >  >>