السّاعة، إلاّ نبّأتكم به». فقام عبد الله بن حذافة السّهمي، فقال: من أبي يا رسول الله؟! فقال:
«حذافة» فقام عمر-رضي الله عنه-فقال: يا رسول الله رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما، وبك نبيّا؛ فاعف عنّا، عفا الله عنك! فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«فهل أنتم منتهون، فهل أنتم منتهون؟!». ثم نزل عن المنبر، فأنزل الله هذه الآية. وقيل: إنّ المؤمنين سألوا أن يعطوا آية يفرّقون بها بين المؤمن، والمنافق، والكافر، فنزلت هذه الآية.
والمعنى: لا يترككم الله أيّها النّاس مختلطين، لا يعرف مؤمنكم من منافقكم؛ حتى يميز المؤمن المخلص من المنافق، وذلك بالوحي إلى نبيّكم عن أحوالكم، أو بالتكاليف الشاقّة؛ التي لا يصبر عليها إلا المخلصون منكم، كبذل الأموال، والأنفس في سبيل الله ليختبر به بواطنكم، ويكشف به عن عقائدكم.
هذا؛ و «يذر» لا يأتي منه ماض ك: «يدع» استغناء عنه بتصرف مرادفه، وهو:«يترك»، وحذفت الواو من «يذر» من غير موجب تصريفي، وإنّما حمل على «يدع» لأنه بمعناه و «يدع» حذف الواو منه لموجب تصريفي، وهو وقوع الواو بين عدوتيها، وهما: الياء، وكسرة مقدرة، وأما الواو في «يذر» فوقعت بين ياء، وفتحة أصلية. انتهى جمل نقلا من السّمين، أقول: وقوله كسرة مقدّرة؛ إذ الأصل: يودع مثل: يوعد، وإنّما فتحت الدّال من «يدع» لأنّ لامه حرف حلقيّ. فيفتح ما قبله، ومثله: يقع، ويطأ، ويسع، وانظر «دع» و «ذر» في سورة (البقرة) رقم [٢٧٨] فإنّه جيّد، والحمد لله!
فرز الشيء عن غيره، وبمعنى: فضّله على غيره. وقرئ:(«حتّى يميّز») بالتشديد من: ميّز، وكذا قوله تعالى في (الأنفال): {لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} و {تَكادُ تَمَيَّزُ:} تنقطع، وبهذا فسّر قوله تعالى في سورة (الملك): {تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ،} وقوله تعالى في سورة (يس): {وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} بمعنى: اعتزلوا من المؤمنين الصّالحين، وانظر ما ذكرته فيها هناك، فإنّه جيد.
هذا؛ والمراد ب {الْخَبِيثَ:} الكفر، والنفاق، أو الكافرون، والمنافقون، والمراد ب {الطَّيِّبِ:} الإيمان، أو المؤمنون، كما يطلقان على العمل الصّالح، والسيئ. وانظر قوله تعالى في سورة (النور) رقم [٢٦]: {الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ..}. إلخ ففي الكلام استعارة، وطباق، وهو من المحسّنات البديعيّة.
{وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ:} وما كان الله ليبيّن لكم المؤمن من الكافر، فيقول: فلان مؤمن، وفلان كافر، وفلان منافق؛ لأنّه لا أحد يعلم الغيب إلا الله، وإنّ سنّة الله جارية ألا يطّلع على غيبه أحد من الناس، فلا سبيل إلى معرفة المؤمن من الكافر، أو المنافق إلا بالامتحان بالآفات، والمصائب؛ ليتميز المؤمن المخلص بثباته على إيمانه، ويتزلزل المنافق عند المحن، والبلايا.