للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عباس في رواية عطية عنه، وابن جريج عن مجاهد: أنّها نزلت في أحبار اليهود؛ الذين كتموا صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ونبوّته. وهذا القول هو اختيار الزجّاج، ووجه هذا القول: أن البخل عبارة عن منع الخير، والنفع، ويدخل فيه منع العلم، كما يقال: بخل فلان بعلمه.

والمعتمد الأوّل، وإن كان الثاني يدخل فيه. انتهى خازن. وخذ ما يلي:

أولا: عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من آتاه الله مالا، فلم يؤدّ زكاته؛ مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة، ثمّ يأخذ بلهزمتيه-يعني: شدقيه- ثمّ يقول: أنا مالك، أنا كنزك». ثم تلا هذه الآية. أخرجه الشيخان، وغيرهما.

ثانيا: عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سئل عن علم، فكتمه؛ ألجم يوم القيامة بلجام من نار». رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما، وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كتم علما؛ ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار». ابن حبّان.

المعنى: ولا يظننّ الذين يمنعون زكاة أموالهم، ويبخلون في إنفاقه في وجوه الخير خيرا لهم في الدنيا، والآخرة، بل هو شرّ، ووبال عليهم، وهلاك لهم. {سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ:} أي: سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق في العنق. انظر الحديث الشريف المتقدّم. {وَلِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أخبر سبحانه وتعالى ببقائه، ودوام ملكه، وأنه في الأبد كهو في الأزل غنيّ عن العالمين، فيرث الأرض، ومن عليها بعد فناء خلقه، وزوال ملكهم، فتبقى الأملاك، والأموال، لا يدّعى فيها، فجرى هذا مجرى الوراثة في عادة الخلق، وليس هذا بميراث في الحقيقة؛ لأن الوارث في الحقيقة هو الذي يرث شيئا لم يكن ملكه من قبل، والله سبحانه وتعالى مالك السموات والأرض، وما بينهما، وما فيهما، وكانت السموات وما فيها، والأرض وما فيها له، وأنّ الأموال كانت عارية عند أربابها، فإذا ماتوا؛ ردّت العارية إلى صاحبها، الذي كانت له في الأصل، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {إِنّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها} ومثل هذه الآية الآتية رقم [١٠] من سورة (الحديد). {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ:} فيه تهديد، ووعيد للبخلاء، والمقصرين بحقوق الله. ويقرأ الفعل بالياء، والتاء، -على الالتفات-في بعض القراءات فيه، وفي سابقه. وخذ ما يلي في البخلاء، والأسخياء:

فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-، قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إيّاكم والظّلم! فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش، والتّفحّش! وإيّاكم والشّحّ، فإنّما هلك من كان قبلكم بالشّحّ، أمرهم بالقطيعة، فقطعوا، وأمرهم بالبخل، فبخلوا، وأمرهم بالفجور، ففجروا...» إلخ. رواه أبو داود مختصرا.

وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الله جنّة عدن بيده، ودلّى فيها ثمارها، وشقّ فيها أنهارها، ثمّ نظر إليها، فقال لها: تكلّمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقال: وعزّتي، وجلالي لا يجاورني فيك بخيل!» رواه الطّبرانيّ في الكبير، والأوسط.

<<  <  ج: ص:  >  >>