للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمسجود له في الحقيقة هو الله تعالى، وجعل آدم قبلة سجودهم تعظيما لشأنه، أو سببا لوجوبه، كما جعلت الكعبة قبلة للصّلاة، والصّلاة لله، فمعنى «اسجدوا له» أي: إليه. وإمّا المعنى اللّغوي، وهو التواضع لآدم تحية، وتعظيما له، كسجود إخوة يوسف له في قوله تعالى:

{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} فلم يكن فيه وضع الجبهة بالأرض، إنّما كان الانحناء، فلمّا جاء الإسلام؛ أبطل ذلك بالسّلام. انتهى جمل نقلا من تفسير الخطيب.

قال القرطبي رحمه الله تعالى: وهذا السجود المنهيّ عنه قد اتخذه جهال المتصوّفة عادة في سماعهم، وعند دخولهم على مشايخهم، واستغفارهم، فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال -بزعمه-يسجد للأقدام لجهله سواء أكان للقبلة أم غيرها جهالة منه. ضلّ سعيهم، وخاب عملهم! انتهى بحروفه.

{فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ} مأخوذ من: أبلس، يبلس، إبلاسا بمعنى سكت غمّا، وأيس من رحمة الله، وخاب، وخسر، وهو من الملائكة، كذا قال عليّ، وابن مسعود، وابن عباس، -رضي الله عنهم-وهو اختيار أبي الحسن، وقال ابن عباس: وكان اسمه عزازيل، وكان من أشرف الملائكة، وكان من أولي الأجنحة الأربعة، ثم أبلس بعد، فلمّا عصى الله؛ غضب الله عليه، فلعنه: فصار شيطانا، ولأن الأصل في الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى منه، ولهذا قال تعالى له: {ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} الآية رقم [١٢] من سورة (الأعراف)، وقوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٥٠]: {كانَ مِنَ الْجِنِّ} معناه: صار من الجانّ، كقوله تعالى في سورة (هود) رقم [٤٣]: {فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}.

وقيل: الاستثناء منقطع؛ لأنه لم يكن من الملائكة، بل كان من الجنّ بالنّصّ، قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: إنّ الجنّ سبط من الملائكة، خلقوا من نار، وإبليس منهم، وخلق سائر الملائكة من نور. وقال ابن زيد، والحسن، وقتادة أيضا: إبليس أبو الجن، كما أنّ آدم أبو البشر، ولم يكن ملكا، واستدلوا بقوله تعالى في سورة (الكهف): {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} رقم [٥١] أي: عصى الله، واستكبر عن أمره تعالى، والملائكة {لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} سورة (التحريم) الآية [٦]، واستدلوا بأنّه كان له ذرية بنصّ القرآن: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي}.

ولا نسل للملائكة قطعا، وعن الجاحظ: إن الجنّ والملائكة جنس واحد، فمن طهر منهم؛ فهو ملك، ومن خبث منهم؛ فهو شيطان، ومن كان بين بين فهو جنّ. وهو غير مسلّم له.

{أَبى:} ماض من الإباء، وهو الامتناع، وأشدّه. وإباء الله: قضاؤه ألا يكون الأمر، أو عدم قضائه أن يكون، قال تعالى في صيغة المضارع: {وَيَأْبَى اللهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} الآية رقم [٣٢] من سورة (التوبة)، ويكون متعديا إذا كان بمعنى: كره، ولازما إذا كان بمعنى: امتنع، وهذا الفعل يتضمن النفي، والإيجاب؛ لأنه بمعنى: لا يقبل إلا... إلخ،

<<  <  ج: ص:  >  >>