للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا: وأبى، يأبى من الباب الثّالث شاذّ؛ لأنه لم يكن عينه أو لامه حرفا من حروف الحلق، ولم يجئ منه إلاّ قلى، يقلى، وغسى، يغسى، وجبى، يجبى، وعسى، يعسى. والّذي حمل إبليس على عدم السجود لآدم هو الكبر، والحسد، فدليل كبره قوله تعالى حكاية عن قوله في سورة (الأعراف) رقم [١٢]: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ،} وحسده لمّا رأى الملائكة سجدت لآدم تعظيما، وإكراما؛ حسده على هذه المنزلة الرفيعة، والمكانة العالية؛ لذا كان مبدأ العصيان هو الكبر، والحسد، فليحذر المسلم من هاتين الخصلتين الذّميمتين اللّتين سببتا لإبليس الطرد من رحمة الله! وخذ ما يلي:

عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة، فسجد؛ اعتزل الشّيطان يبكي، ويقول: يا ويلتي أمر ابن آدم بالسّجود، فسجد، فله الجنّة، وأمرت بالسّجود، فأبيت، فلي النّار». أخرجه مسلم.

هذا وقد قال عبد الوهاب النّجار-رحمه الله تعالى-في كتابه (قصص الأنبياء): هل آدم هذا هو أبو البشر ولم يكن أحد من قبله من جنسه؟ والجواب: أن العقل لا يجعل من المحال أن يكون الله خلق آدم غير آدم هذا، ولكن الله تعالى لم يذكر سوى آدم الّذي نعرفه أبا البشر، فالقول بوجود غيره مجازفة بلا برهان، وقد وجد من البشر في الأزمان الغابرة والحاضرة من يدّعون:

أن عمران بلادهم أقدم من خلق آدم، كأهل الهند، وقد كانوا في الزمان السابق يدّعون أنّ آدم كان عبدا من عبيدهم هرب إلى الغرب، وجاء بأولاده، وإلى هذا يشير المعرّي بقوله: [الوافر]

تقول الهند آدم كان قنّا... لنا فسعى إليه مخبّبوه

وإلى القول بوجود أوادم سوى آدم يشير بقوله: [الخفيف]

جائز أن يكون آدم هذا... قبله آدم على إثر آدم

وقوله: [الطويل]

وما آدم في مذهب العقل واحدا... ولكنّه عند القياس أوادم

وهناك فريق من الناس يرجّح: أنه ليس أوّل نوعه، ويستأنسون لذلك بقول الملائكة:

{أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ،} ويقول: إنّ الملائكة لم يقولوا ذلك إلا لرؤيتهم من تقدّموا قبل آدم من الخلق الذين على صورته قد فعلوا ذلك، وأنّ آدم عليه السّلام إنما كان خليفة عن بشر كانوا من جنسه، وبادوا. وكل هذه الأقوال لا تستند إلى نصّ قطعي الثبوت والدلالة.

انتهى بحروفه.

بعد هذا لقد علمت نقلا، وعقلا، وواقعيّا: أن الله خلق كلّ مخلوق من أبوين بطريق التزاوج، إلا آدم-على نبينا وحبيبنا وعليه ألف صلاة وسلام-فقد خلقه الله بيده من طين، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>