والتّمايل إلى الأمام، والوراء. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه؛ كانت عليه من الله ترة. ومن اضطجع مضجعا، لا يذكر الله فيه؛ كانت عليه من الله ترة، وما مشى أحد ممشى لا يذكر الله فيه؛ إلا كانت عليه من الله ترة».
أخرجه أبو داود. والتّرة: النقص. وقيل: التّبعة بمعنى المؤاخذة.
{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:} وإذا تفكّروا؛ اتعظوا، وإذا اتعظوا؛ آمنوا، وإذا آمنوا؛ عبدوا الله. والتفكّر في صنع الله أعظم عبادة يقوم بها العبد، وقد ورد: لتفكّر ساعة في صنع الله خير من عبادة سنة. وفي رواية عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أفضل من عبادة ستين سنة، وورد تفكّروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله، فإنّه لا تحيط به الفكرة. ومرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على قوم يتفكرون في الله، فقال:«تفكّروا في الخلق، ولا تفكّروا في الخالق، فإنّكم لا تقدرون قدره».
وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «لا عبادة كالتّفكّر» لأنّه المخصوص بالقلب، والمقصود من الخلق. وروي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:«بينما رجل مستلق على فراشه؛ إذ رفع رأسه، فنظر إلى السّماء، والنّجوم، فقال: أشهد أنّ لك ربّا، وخالقا! اللهمّ اغفر لي! فنظر الله إليه، فغفر له».
هذا؛ والفكر: تصرف القلب في طلب الأشياء. وقال صاحب المفردات: الفكر: قوّة مطرقة للعلم إلى العلوم. والتفكّر: جريان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يكون له صورة في القلب. انتهى. هذا؛ والفكر يؤدّي إلى الوقوف على المعاني المطلوبة من التآنس، والتجانس بين الأشياء، كالزوجين.
وإنّما خصّ السموات، والأرض بالذكر هنا وفي كثير من الآيات؛ لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وجمع {السَّماواتِ} دون ({الْأَرْضِ}) وهي مثلهنّ سبعا بدليل قوله تعالى في سورة الطّلاق: {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ؛} لأنّ طبقاتها مختلفة بالذّات، متفاوتة في الصّفات، والآثار، والحركات، وقدّمها لشرفها، وعلوّ مكانها، وتقدّم وجودها، ولأنها متعبد الملائكة، ولم يقع فيها معصية كما في الأرض. وأيضا: لأنها كالذّكر، فنزول المطر من السّماء على الأرض كنزول المني من الذّكر في رحم المرأة، ولأنّ الأرض تنبت، وتخضرّ بالمطر.
ووحّد الأرض؛ لأنها بجميع طبقاتها جنس واحدة، وهو التراب، والأحجار.
وآية السموات: ارتفاعها بغير عمد من تحتها، ولا علائق من فوقها، ثمّ ما فيها من الشّمس، والقمر، والنجوم السّائرة، والكواكب الزّاهرة، شارقة، وغاربة، نيّرة، وممحوة آية ثانية، وآية الأرض: مدّها، وبسطها، وما فيها من الجبال، والبحار، والمعارف، والجواهر، والأنهار، والأشجار، والثمار، وما بثّ فيها من أجناس المخلوقات، فيعلم العباد حينئذ: أنّ لهما خالقا مدبّرا حكيما؛ لأن عظم آثاره، وأفعاله تدلّ على عظم خالقها، كما قيل:[المتقارب]