{رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً} أي: يقولون: ربنا ما خلقت هذا خلقا باطلا بغير حكمة، بل خلقته لحكمة عظيمة، وهو أن تجعلها مساكن للمكلّفين، وأدلّة لهم على معرفتك، وتحثّهم على طاعتك؛ لينالوا الحياة الأبدية، والسّعادة السّرمدية في جوارك.
{سُبْحانَكَ:} تنزيها لك عن جميع المعايب، والنقائص، و (سبحان): اسم مصدر. وقيل:
مصدر، مثل: غفران. وليس بشيء؛ لأن الفعل «سبّح» بتشديد الباء، والمصدر تسبيح، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله، مثل: معاذ الله، وقد أجري على التّسبيح، بمعنى التنزيه على الشّذوذ في قول الأعشى:[السريع]
قد قلت لمّا جاءني فخره... سبحان من علقمة الفاخر
وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار، والجهل بحقيقة الحال، ولذلك جعل مفتاح التوبة في قوله تعالى، حكاية عن قول موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ} وقد نزّه الله ذاته في كثير من الآيات تنزيها يليق بجلاله، وعظمته. وجملة القول فيه: هو اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكّن؛ لأنّه لا يجري بوجوه الإعراب، من رفع، وجرّ، ولا تدخل عليه الألف، واللام، ولم يجئ من لفظه فعل، وذلك مثل: قعد القرفصاء، ولم ينصرف؛ لأن في آخره زائدتين: الألف والنون، ومعناه: التنزيه، والبراءة لله-عزّ وجل-من كلّ نقص، فهو ذكر لله تعالى، لا يصلح لغيره، والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي من معناه، لا من لفظه؛ إذ لم يجر له فعل من لفظه، وذلك مثل: قعد القرفصاء، فالتقدير عنده: أنزّه الله تنزيها، فوقع:«سبحان الله» مكان: «تنزيها لله». وانظر الإعراب.
الإعراب:{الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح، وفيه أوجه: الأول: في محل جر بدلا من: (أولي الألباب) أو صفة. الثاني: في محل نصب بفعل محذوف، التقدير: أمدح، أو أعني. الثالث: في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: هم الذين، وعليه؛ فالجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {يَذْكُرُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محلّ لها. {اللهَ:} منصوب على التعظيم. {قِياماً:} حال من واو الجماعة، وهو مصدر بمعنى: قائمين. {وَقُعُوداً:} معطوف عليه، وهو بمعنى: قاعدين. {وَعَلى جُنُوبِهِمْ:}
جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أيضا، معطوف على ما قبله، التقدير: ومضطجعين على جنوبهم. والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{وَيَتَفَكَّرُونَ} معطوفة على جملة الصّلة، لا محلّ لها مثلها. {فِي خَلْقِ:} متعلقان به، و {خَلْقِ:} مضاف، و {السَّماواتِ:} مضاف إليه، وانظر الآية السّابقة.