للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ، وأسكن إليك. فمال إليها، وألفها؛ لأنّها خلقت منه. هذا هو المشهور، وتؤيّده الأحاديث الشريفة، ولكن هناك من يتبجّح، ويقول: إن الله خلقها بدون واسطة، يعني: أنّ الله خلقها من تراب، كما خلق آدم، ولهذا يقدّرون مضافا محذوفا، فيقولون:

الأصل من جنسها، أي: من البشر، وهاك قول الشاعر: [الطويل]

هي الضّلع العوجاء لست تقيمها... ألا إنّ تقويم الضّلوع انكسارها

أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استوصوا بالنّساء، فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج ما في الضّلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه؛ كسرته، وإن تركته؛ لم يزل أعوج. فاستوصوا بالنّساء». رواه البخاريّ، ومسلم، وغيرهما. وروى ابن أبي حاتم عن قتادة، عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: «خلقت المرأة من الرّجل، فجعلت نهمتها في الرّجل، وخلق الرّجل من الأرض، فجعلت نهمته في الأرض، فاحبسوا نساءكم».

{وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً} أي: نشر، وفرّق من آدم، وحواء خلائق كثيرين ذكورا، وإناثا.

وإنّما وصف الله الرّجال بالكثرة دون النساء؛ لأنّ حال الرّجال أتمّ، وأكمل، وهذا كالتنبيه على أنّ اللائق بحال الرّجال الظهور، والاستشهار، وبحال النّساء الاختفاء والخمول، والواقع والمشهور: أن نسبة الإناث أكثر من الذّكور في كلّ زمان، ومكان. هذا؛ والرّجل مشتق من الرجولة، وهي الشّجاعة، والنّجدة، والمرأة مشتقة من المرء، وهو الرّجل الذي خلقت منه، كما رأيت. {وَاتَّقُوا اللهَ:} كرّره للتأكيد، ولا تنس الطّباق بين: {رِجالاً} و ({نِساءً})

{تَسائَلُونَ بِهِ:} يسأل بعضكم بعضا به، فيقول: أسألك بالله، وقد حذفت منه تاء المضارعة، أصله: تتساءلون، وقرئ بتشديد السّين؛ فأدغمت التاء الثانية في السّين.

{وَالْأَرْحامَ} أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها. ويقرأ بكسر الميم عطفا على الضمير المجرور بالباء، وقد استقبحها كثير من العلماء. قال أبو العباس المبرّد-رحمه الله تعالى-: لو صليت خلف إمام يقرأ: («ما أنتم بمصرخيّ»)، («واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام»)؛ لأخذت نعلي، ومضيت. ومنه قول الشاعر: [البسيط]

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا... فاذهب فما بك والأيّام من عجب

{إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً:} حافظا، أو عالما، أو مطّلعا. هذا؛ و (الأرحام) جمع رحم، وهو القريب من جهة الأب، أو من جهة الأم، وقد عطف الله الأرحام على اسمه تنبيها على مكانتها عنده، كيف لا وقد أمر الله بصلتها في كثير من الآيات، وحذّر من قطعها، وهو الذي يقول في سورة (محمّد) صلّى الله عليه وسلّم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>