للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّفهاء. وهم أقسام: فتارة يكون الحجر للصّغر، وتارة يكون للجنون، وتارة يكون لسوء التصرّف لنقص العقل، أو الدين، وهو المراد في الآية الكريمة بالنسبة لليتامى، وأوليائهم، وتارة يكون الحجر للفلس، وهو ما إذا أحاطت الديون برجل، وضاقت أمواله عن وفائها. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هم بنوك، والنّساء، وقال: لا تعمد إلى مالك، وما خوّلك الله، وجعله الله معيشة، فتعطيه امرأتك، أو بنيك، ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك، وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم. انتهى. وعليه في الآية نهي لكلّ أحد أن يعمد إلى ما خوّله الله تعالى من المال، فيعطيه امرأته، وأولاده، ثم ينظر إلى ما في أيديهم تحسّرا، وندامة، وكم رأينا، وسمعنا أناسا فعلوا ذلك، ولا سيّما الذين يحرمون الإناث، ويعطون الذكور، ثمّ أهانوهم، بل وطردوهم من بيوتهم، والسّعيد من وعظ بغيره، والشّقيّ من اتّعظ غيره به.

هذا؛ وقوله تعالى: {أَمْوالَكُمُ:} إن كان المراد به أموال اليتامى، وأضافه إلى الأولياء، والأوصياء؛ فهو كقوله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع: «إنّ دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم...» إلخ وإن كان المراد به أموال المخاطبين أنفسهم؛ فقد رأيته فيما تقدّم، وانظر شرح {سَفِيهاً} في الآية رقم [٢٨٢] من سورة (البقرة).

وقال ابن جرير عن أبي موسى-رضي الله عنه-، قال: ثلاثة يدعون الله، فلا يستجيب لهم:

رجل له امرأة سيّئة الخلق، فلم يطلقها، ورجل أعطى ماله سفيها، وقد قال الله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ} ورجل كان له على رجل دين، فلم يشهد عليه. انتهى، أقول: والمراد بسيئة، عهرها، وخروجها عن طاعة ربها.

هذا؛ وإنما قال: {الَّتِي} ولم يقل: اللاتي؛ لأنه جمع ما لا يعقل، فجرى على لفظ الواحد، كما قال تعالى في سورة (هود) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:

{فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} وقال في سورة (مريم): {جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي..}.

إلخ. ولو كان لما يعقل لقال: اللاتي، كما في الآية [٢٣] الآتية: {وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} {وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ} وفي سورة (النور): {وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي..}. إلخ، هذا هو الأكثر في لسان العرب، وقد يجوز فيما لا يعقل: «اللاتي»، وفيما يعقل «التي».

{قِياماً:} هو ما يقام به، وإعلاله مثل إعلال «صيام» فيما تقدّم، وأضيف هنا ما ذكره أبو البقاء؛ حيث قال: هو مصدر: قام، والياء بدل من الواو، وأبدلت منها لمّا أعلّت في الفعل، وكانت قبلها كسرة، والتقدير: التي جعل الله لكم سبب قيام أبدانكم، أي: بقائها، ويقرأ:

(«قيما») بغير ألف، وفيه ثلاثة أوجه:

أحدها: انّه مصدر مثل الحول، والعوض، وكان القياس أن تثبت الواو، ولتحصّنها بتوسّطها، كما حصّنت في الحوض، والعوض، ولكن أبدلوها ياء حملا على «قيام» وعلى اعتلالها في الفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>