للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل أن يكبر اليتامى، فينتزعوها من أيدينا. والإسراف في اللغة: الإفراط في كل شيء؛ ومجاوزة الحد فيه، قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٣١]: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. وقال جرير في مدح بني أميّة: [البسيط]

أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية... ما في عطائهم منّ ولا سرف

«هنيدة» اسم لكل مائة من الإبل، ومن دعاء الصّالحين المصلحين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا} رقم [١٤٧]: من سورة (آل عمران). وقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٢٠]: {وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} فيها أكبر رادع، وزاجر من التعدّي على مال اليتيم.

ومن كان غنيّا؛ فليستعفف: أي عن الأكل من مال اليتيم، وإن عمل فيه، وقام بمصالحه، يقال: عف الرّجل عن الشّيء، واستعفّ: إذا أمسك، والاستعفاف عن الشيء: تركه، ومنه قوله تعالى في سورة (النور): {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً،} والعفة: الامتناع عمّا لا يحلّ، ولا يحبّ فعله.

{وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} المراد به هنا: بقدر حاجته، وأجر عمله في مال اليتيم، ولفظ: الاستعفاف، والأكل مشعر بأنّ للوليّ حقّا في مال اليتيم، فقد روى أبو داود عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدّه: أنّ رجلا أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي فقير، وليس لي شيء، ولي يتيم. فقال: «كل من مال يتيمك غير مسرف، ولا مبذّر، ولا متأثّل»؛ أي: مدّخر، وهذا إذا كان العمل في مال اليتيم يصرفه عن معاشه، وما يحتاج إليه. هذا؛ وبين {غَنِيًّا} و {فَقِيراً} طباق، وهو من المحسّنات البديعية، وبين الجملتين مقابلة لطيفة، فتأمّلها.

هذا؛ والفقير أصله في اللغة: الذي انكسر فقار ظهره، ثم أطلق على المعدم الذي لا يجد كفايته من المال؛ لأنه يشبه الّذي أنبتّ ظهره، وعدم الحول، والقوة، وهو أسوأ حالا من المسكين عندنا معاشر الشافعيّة، ويدلّ عليه قوله تعالى في سورة (الكهف): {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} فسمّاهم الله مساكين مع كونهم يملكون سفينة يتّجرون فيها، وينقلون البضائع من صقع إلى صقع، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يسأل الله المسكنة، ويتعوّذ به من الفقر، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ أحيني مسكينا، وتوفّني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين، وإنّ أشقى الأشياء من اجتمع عليه فقر الدّنيا، وعذاب الآخرة». رواه ابن ماجة، وروى الترمذيّ مثله عن أنس-رضي الله عنه-.

{فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} أي: فإذا سلّمتم إلى اليتامى أموالهم، فأشهدوا عليهم لئلا يجحدوا تسلّمها، فإنه أنفى للتّهمة، وأبعد للخصومة، ووجوب الضمان، والأمر للإرشاد، وليس للوجوب. {وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً:} حافظا لأعمال خلقه، ومحاسبهم عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>