للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد روى الدّارقطني عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «تعلّموا الفرائض، وعلّموها النّاس، فإنّه نصف العلم، وهو أوّل شيء ينسى، وأوّل شيء ينزع من أمّتي».

وروي أيضا عن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعلّموا القرآن، وعلّموه النّاس، وتعلّموا الفرائض، وعلّموها النّاس، وتعلّموا العلم، وعلّموه النّاس، فإنّي امرؤ مقبوض، وإنّ العلم سيقبض، وتظهر الفتن؛ حتّى يختلف الاثنان في الفريضة، لا يجدان من يفصل بينهما».

{يُوصِيكُمُ اللهُ:} يعهد إليكم، ويأمركم. {فِي أَوْلادِكُمْ:} في شأن ميراثهم منكم. {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فإنّ أهل الجاهلية كانوا يجعلون للذكر دون الإناث، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث، وفاوت بين الصّنفين، فجعل للذّكر مثل حظ الأنثيين، وذلك لاحتياج الرّجل إلى مئونة النكاح، والنفقة، ومعاناة التكسب، وتحمّل المشاق، فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى. وقد استنبط من الآية: أنّ الله تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها، حيث أوصى الوالدين بأولادهم، فعلم أنّه أرحم بهم منهم.

{فَإِنْ كُنَّ نِساءً} أي: إن كان الأولاد نساء خلصا ليس معهن ذكر يعصبهن. {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} أي: اثنتين فما فوقهما. وقد استدلّ بعضهم بهذه الآية على أنّ أقل الجمع اثنان فما فوق، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الاثنان فما فوقهما جماعة». وحكي عن سيبويه: أنه قال: سألت الخليل عن قوله: «ما أحسن وجوههما» فقال: الاثنان جماعة، وقد صحّ قول الشاعر: [الوافر]

يحيّى بالسّلام غنيّ قوم... ويبخل بالسّلام على الفقير

أليس الموت بينهما سواء... إذا ماتوا وصاروا في القبور

فواو الجماعة عائدة على الغني، والفقير {فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ} أي: المتوفّى: وهو كناية عن غير مذكور، وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه، كقوله تعالى في سورة (ص): {حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} وقوله جل ذكره: {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. هذا؛ ويقال: ثنتان، وثنتين، ولكن الأوّل أحسن، وأجود، والتاء في ثنتان كالتاء في بنتان، إلا أنّه لم يستعمل واحد الثنتين بالتاء، كما استعمل بنت، وكذلك التاء في اثنتان كالتاء في ابنتان، إلا أنهم لم يقولوا: اثنة، كما قالوا: ابنة، وخذ قول جعفر بن علبة الحارثي-وهو الشاهد رقم [١٠٣]: من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الطويل]

فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما... صدور رماح أشرعت أو سلاسل

{وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً:} أي: المولودة الوارثة منفردة؛ فنصيبها نصف الميراث. {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ..}. إلخ. أي: لكل واحد من أبوي الميت سدس ميراثه؛ إن كان له ولد ذكر، أو أنثى، لكن يأخذ الأب مع البنت السدس فرضا، ويأخذ الباقي تعصيبا، إن لم يكن ثمّة وارث آخر من ذوي الفروض.

<<  <  ج: ص:  >  >>