للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ..}. إلخ. أي: إن مات ذكر، أو أنثى، ولم يكن له وارث غير أبويه، فأمّه تأخذ، وتستحقّ الثلث فرضا، والباقي يأخذه الأب. ومثل ذلك ما إذا كان مع الأبوين أحد الزّوجين. فإن الأم تأخذ ثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزّوجين، والباقي للأب، وذلك للمحافظة على أن يأخذ الأب مثلي الأم، وهذا كله إن لم يكن للميت إخوة من أي جهة كانوا، فإنّ للأم حينئذ السدس فرضا؛ لأن الأخوة وإن كانوا محجوبين بالأب، فهم يحجبون الأمّ من الثّلث إلى السّدس حجب نقصان.

{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ} أي: إن تقسيم الورثة على ما تقدّم بيانه إنّما هو بعد تنفيذ الوصية، ووفاء الدّين من المال الذي تركه الميت. هذا؛ وقدّم ربنا ذكر الوصية على الدّين، وهي متأخرة عنه في الحكم؛ لأنها مشبهة بالميراث، شاقة على الورثة، ولأنها صلة بلا عوض، وأداؤها مظنّة للتفريط. عن الحارث عن علي-رضي الله عنه-أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قضى بالدّين قبل الوصية، وأنتم تقرءون الوصية قبل الدّين، قال: والعمل على هذا عند عامّة أهل العلم: أنّه يبدأ بالدّين قبل الوصية. وروى الدّارقطنيّ من حديث عاصم بن ضمرة عن عليّ-رضي الله عنه-قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّين قبل الوصيّة، وليس لوارث وصيّة» أي: إلا أن يجيزها باقي الورثة.

ولمّا ثبت هذا؛ تعلّق الشافعي-رضي الله عنه-بذلك في تقديم دين الزّكاة، والحجّ على الميراث، فقال: إنّ الرجل إذا فرّط في زكاته؛ وجب أخذ ذلك من رأس ماله. وهذا ظاهر ببادئ الرأي، ولأنّه حقّ من الحقوق، فيلزم أداؤه عنه بعد الموت، كحقوق الآدميين، لا سيّما والزكاة مصرفها إلى الآدمي. وقال أبو حنيفة، ومالك-رحمهما الله تعالى-: إن أوصى؛ أدّيت من ثلث ماله، وإن سكت؛ لم يخرج عنه شيء. قالوا: لأن ذلك موجب لترك الورثة فقراء، إلا أنّه قد يتعمّد ترك الكل؛ حتّى إذا مات؛ استغرق ذلك جميع ماله، فلا يبقى للورثة حقّ، انتهى قرطبي.

{آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} أي: لا تعلمون من أنفع لكم ممّن يرثكم من أصولكم، وفروعكم في عاجلكم، وآجلكم، فاعملوا بما أوصاكم لا تعمدوا إلى تفضيل بعض، وحرمان بعض آخر. روي: أن أحد المتوالدين-أي: من الآباء أو من الأبناء-إذا كان أرفع درجة من الآخر في الجنّة سأل الله أن يرفع إليه ابنه، أو أباه. فيرفع بشفاعته.

وإذا كان الأمر كذلك، فلا ينبغي للإنسان أن يحرم بعض أولاده، ويعطي الآخرين من ماله، فيسبب بذلك عقوق أولاده المحرومين في الدّنيا، والآخرة. وإن كثيرا من المسلمين في هذه الأيام يفعلون ذلك، فيخالفون ما أوصى الله به في هذه الآية، وما أوصى به الرسول صلّى الله عليه وسلّم من حسن معاملة الأولاد، والعدل بينهم؛ حتى في الابتسامة، والقبل.

{فَرِيضَةً مِنَ اللهِ} أي: هذا الذي ذكر في تفصيل الميراث، وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض هو فرض من الله، حكم به، وقضاه. {إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً} أي: كان عليما بالأشياء

<<  <  ج: ص:  >  >>