بنفسها. وكانوا على ذلك حتّى توفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري-رضي الله عنه-وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية، فقام ابن له من غيرها، يقال له: حصن-وقيل: اسمه: قيس بن أبي قيس-فطرح ثوبه عليها، فورث نكاحها، ثمّ تركها، فلم ينفق عليها، يضارّها لتفتدي منه، فأتت كبيشة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله! إن أبا قيس توفي، وورث نكاحي ابنه، فلا هو ينفق عليّ، ولا هو يدخل بي، ولا هو يخلّي سبيلي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«اقعدي في بيتك؛ حتّى يأتي أمر الله فيك». فأنزل الله عز وجل الآية الكريمة.
{وَلا تَعْضُلُوهُنَّ..}. إلخ. أي: لا تمنعوهنّ من الأزواج. والعضل: التّضييق، والمنع، وهو راجع إلى معنى الحبس، ومن قول معاوية: معضلة ولا أبا حسن لها! يريد عليّا-رضي الله عنه- الذي كان يحل المعضلات من الأمور. والمعنى: مسألة صعبة ضيّقة. وقال طاوس-رحمه الله تعالى-: لقد وردت عضل أقضية ما قام بها إلا ابن عباس-رضي الله عنهما-. وكلّ مشكل عند العرب معضل، ومنه قول الشّافعي-رضي الله عنه-: [المتقارب]
إذا المعضلات لك فاصطنعني... كشفت حقائقها بالنّظر
هذا؛ والعضل: الحبس. قال الشاعر:[الوافر]
وإنّ قصائدي لك فاصطنعني... عقائل قد عضلن عن النّكاح
وقال آخر:[الكامل]
فلأعضلنّ قصائدي من بعده... حتّى أزوّجها من الأكفاء
{لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ} أي: لتضجر، فتفقدي ببعض مالها. قيل: هو خطاب للأزواج. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هذا في الرّجل تكون له امرأة، وهو كاره لها، ولصحبتها، ولها عليه مهر، فيضارّها؛ لتفتدي منه، وتردّ إليه ما ساق إليها من المهر، فنهى الله عن ذلك. وقيل: هو خطاب لأولياء الميت، فنهاهم الله عن عضل المرأة. وهو ما الكلام فيه.
{إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ:} اختلف في الفاحشة، فقيل: هي الزنى. وقيل: هي النشوز، وسوء الخلق، وإيذاء الزّوج، وأهله، والبذاء في الكلام، والفجور، فكلّ ذلك يحلّ للزّوج أن يأخذ منها فداء، وهو فحوى قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٢٩]: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وهذا ما يسمّى بالخلع، والمخالعة.
{وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قيل: هو راجع للكلام الذي قبله، والمعنى:{وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً}{وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فصدر الآية ينهى عن فعل الجاهلية، وتقاليدها، وآخرها ينهى عن سوء معاملة الزّوج في جميع الأحيان والأمكنة، والمعاشرة بالمعروف: توفية حقّها من المهر، والنفقة، وألا يعبس في وجهها لغير ذنب، وأن يكون لينا هينا في القول، لا فظّا، ولا غليظا، ولا مظهرا ميلا إلى غيرها. والدّستور في ذلك قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٢٩]: