{فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} وقوله تعالى في الآية رقم [٢٣١]: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ..}. إلخ. والرّسول صلّى الله عليه وسلّم أوصى بذلك، فخذ من قوله ما يلي:
عن عمرو بن الأحوص الجشميّ-رضي الله عنه-: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع يقول: بعد أن حمد الله، وأثنى عليه، وذكّر، ووعظ، ثمّ قال:«ألا واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان عندكم، ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك؛ إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن؛ فاهجروهنّ في المضاجع، واضربوهنّ ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا. ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا، فحقّكم عليهنّ ألا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ، وطعامهنّ». رواه ابن ماجة، والترمذي.
{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} أي: لدمامة، أو لسوء خلق من غير ارتكاب فاحشة، أو نشوز؛ فهذا يندب فيه الاحتمال، والصبر، وقسر النّفس على الرّضا، والقناعة بهنّ، فعسى أن يؤول الأمر إلى الخير منهنّ بأن يرزق الله منهنّ أولادا صالحين، فتنقلب تلك الكراهية محبة، والنفرة رغبة. وفي الآية ندب إلى إمساك المرأة مع الكراهية لها؛ لأنّه إذا صحبها، وتحمل ذلك المكروه طلبا للثواب، وأنفق عليها، وأحسن صحبتها؛ استحقّ الثّناء الجميل في الدّنيا، والثواب الجزيل في العقبى، والرسول صلّى الله عليه وسلّم أوصى بذلك، فخذ ما يلي من قوله:
عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا؛ رضي منها آخر». رواه مسلم، وغيره. وبشار بن برد في المعاشرة يقول:[الطويل]
إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا... صديقك لم تلق الّذي لا تعاتبه
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى... ظمئت وأيّ النّاس تصفو مشاربه؟
ومن ذا الّذي ترضى سجاياه كلّها؟ ... كفى المرء نبلا أن تعدّ معايبه
الإعراب:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الآية رقم [١]: {لا:} نافية. {يَحِلُّ:} فعل مضارع. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {أَنْ:} حرف مصدري ونصب. {تَرِثُوا:}
فعل مضارع منصوب ب {أَنْ} وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمصدر المؤول من:{أَنْ تَرِثُوا:} في محل رفع فاعل: {يَحِلُّ} والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية كالجملة الندائية قبلها. {النِّساءَ:} مفعول به. {كَرْهاً:} حال بمعنى: مكرهات. {وَلا:} الواو: حرف عطف. ({لا}): نافية، أو ناهية. {تَعْضُلُوهُنَّ:} معطوف على ما قبله، فهو منصوب، أو مجزوم ب ({لا}) الناهية، وعلامة النصب، أو الجزم حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعول به، والنون حرف دال على جماعة الإناث، وعلى النصب فهو داخل