للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوّال معروف وفعّاله... عقّار مثنى أمّهات الرّباع

و «أمّ» يقع في الغالب على من لا يعقل، وقد يقع على من يعقل، نحو قول جرير: [الوافر]

لقد ولد الأخيطل أمّ سوء... على باب استها صلب وشام

وممّا يدل أيضا على زيادة الهاء في أمهة قولهم: أمّ بينة الأمومة-بغير هاء-ولو كانت أصلية لثبتت في المصدر، والذي يجعلها أصلية يستدلّ على ذلك بما حكاه صاحب العين من قولهم: تأمّهت أمّا، فتأمّهت تفعّلت بمنزلة: تنبّهت مع أن زيادة الهاء قليلة جدّا، فمهما أمكن جعلها أصلية؛ كان ذلك أولى فيها. والصّحيح: أنها زائدة؛ لأنّ الأمومة حكاها أئمّة اللغة، وأما تأمّهت، فانفرد بها صاحب العين، وكثيرا ما يأتي في كتاب العين ما لا ينبغي أن يؤخذ به لكثرة اضطرابه، وخلله.

هذا؛ والأمّ تعمّ من ولدتك، أو ولدت من ولدك، وإن علت. {وَبَناتُكُمْ:} جمع بنت أو ابنة، انظر ما ذكرته في الآية رقم [١١] وتتناول من ولدتها، أو ولدت من ولدها، وإن سفلت.

{وَأَخَواتُكُمْ:} من جهة الأب، أو الأم، أو منهما. {وَعَمّاتُكُمْ:} جمع: عمّة، وهي كل أنثى ولدها من ولد ذكرا ولدك. {وَخالاتُكُمْ:} جمع: خالة، وهي كلّ أنثى ولدها من ولد أنثى ولدتك قريبا، أو بعيدا. {وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ} تتناول القربى، والبعدى، فهذه الأصناف السّبعة محرّمة بسبب النّسب بنصّ القرآن، وجملته: أنه يحرم على الرّجل أصوله، وفصوله، وفصول أوّل فصل من كلّ أصل بعده أصله، وقل مثله في المرأة، قال العلماء: كلّ امرأة حرّم الله نكاحها بالنسب، والرّحم؛ فحرمتها مؤبّدة، لا تحلّ بوجه من الوجوه.

الصنف الثاني من المحرمات المحرمات بالسّبب، وهنّ سبع أيضا: الأول، والثاني المحرمات بالرّضاع، وذلك قوله تعالى: {وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ} فكلّ أنثى انتسبت باللّبن إليها فهي أمّك، وبنتها أختك. وإنّما نصّ الله على ذكر الأم، والأخت ليدلّ بذلك على جميع الأصول، والفروع، فنبّه بذلك: أنّه تعالى أجرى الرّضاع مجرى النّسب.

ويدلّ على ذلك ما روي عن عائشة-رضي الله عنها-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحرم من الرّضاع ما يحرم من الولادة». أخرجه البخاريّ، ومسلم، فزوج المرضعة أبو الرّاضع، وأولادها أخوته، وأخواتها خالاته، وإخوتها أخواله... إلخ. وإنما سمّى الله المرضعات: أمّهات لأجل الحرمة، فيحرم عليه نكاحها، ويحلّ له النّظر إليها، والخلوة بها، والسّفر معها، وتقديرها، واحترامها، كما فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم في غزوة حنين مع حليمة، السّعدية مرضعته على القول بحياتها بعد انتهاء تلك الغزوة، وإكرام أخته الشّيماء بنت حليمة-رضي الله عنها-. ولا يترتّب على الرضاع جميع أحكام الأمومة من كلّ وجه، فلا يتوارثان، ولا تجب على كلّ واحد نفقة الآخر، وغير ذلك من الأحكام، وصلة الرّحم مشروعة بينهما بلا شكّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>