للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما يثبت الرضاع بشرطين: أحدهما أن يكون إرضاع الصّبيّ، والصّبيّة في حال الصّغر، وذلك إلى انتهاء سنتين من ولادته، لقوله تعالى في سورة (البقرة): {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ} وقوله تعالى في سورة (لقمان): {وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ}. الشرط الثاني: أن يكون الرّضاع خمس رضعات متفرّقات. روي ذلك عن عائشة، وبه قال ابن الزّبير-رضي الله عنه-، وإليه ذهب الشّافعي، ويدلّ على ذلك ما روي عن عائشة-رضي الله عنها-: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تحرّم المصّة، ولا المصّتان». أخرجه مسلم.

وعن عائشة؛ قالت: كان فيما أنزل من القرآن: (عشر رضعات معلومات يحرمن) ثمّ نسخت ب‍ (خمس معلومات) فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهنّ فيما يقرأ من القرآن. قولها: فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحتمل: أنّه لم يبلغها نسخ ذلك، وأجمعوا على أنّ هذا لا يتلى، فهو ما نسخ تلاوته وبقي حكمه كآية الرّجم؛ التي ذكرتها مرارا.

وذهب جمهور العلماء إلى أنّ قليل الإرضاع، وكثيره يحرّم، وهو قول ابن عبّاس، وابن عمر-رضي الله عنهم-، وبه قال سعيد بن المسيّب، وإليه ذهب الثوري، والأوزاعي، ومالك، وابن المبارك، وأبو حنيفة، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والرواية الثانية كمذهب الشافعي، واحتجّ الجمهور بمطلق الآية؛ لأنه عمل بعموم القرآن، وظاهره، ولم يذكر عددا، وأجاب الشافعي، ومن وافقه في هذه المسألة بأنّ السّنّة مبينة للقرآن، ومفسرة له.

{وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ} يعني: إذا تزوّج الرّجل بامرأة حرمت عليه أمّها الأصلية، وجميع جدّاتها من قبل الأب، والأم كما في النسب، والرّضاع أيضا، ومذهب أكثر الصحابة وجميع التّابعين، وكلّ العلماء: أنّ من تزوّج امرأة حرمت عليه أمّها بنفس العقد، سواء دخل بها، أو لم يدخل بها، وذهب جمع من الصحابة إلى أنّ أم المرأة إنّما تحرم بالدخول بابنتها، وهو قول عليّ، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وابن الزّبير، وجابر، وأظهر الروايات عن ابن عباس-رضي الله عنهم أجمعين-، والعمل اليوم على القول الأوّل، وهو مذهب الجمهور، ويدلّ على ذلك ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جدّه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أيّما رجل نكح امرأة؛ فلا يحلّ له نكاح ابنتها، وإن لم يكن دخل بها؛ فلينكح ابنتها، وأيّما رجل نكح امرأة؛ فلا يحلّ له أن ينكح أمّها؛ دخل بها، أو لم يدخل». أخرجه الترمذيّ. وروي: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في رجل تزوّج امرأة، فطلقها قبل أن يدخل بها: «إنّه لا بأس أن يتزوّج ابنتها، ولا يحلّ له أن يتزوّج أمّها». وهذا ما يقرّر قاعدة شرعيّة: (العقد على البنات يحرّم الأمّهات، والدّخول على الأمّهات يحرّم البنات).

{وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ:} ربائبكم: جمع ربيبة، والرّبيب: ولد المرأة من زوج آخر، سمّي بذلك؛ لأنّه يربّه، أي: يتولّى شئونه، ويقوم عليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>