بك، والقضاء عليك كما يسمّى الصديق صديقا؛ لصدقه فيما يدعيه لك من الألفة، والمودة، والمحبّة.
هذا؛ والحكمة من إهباط آدم عليه السّلام إلى الأرض ما كان قدّره في الأزل، وهي نشر نسله فيها؛ ليكلفهم، ويمتحنهم، ويرتّب على ذلك ثوابهم، وعقابهم الأخرويّ؛ إذ الجنّة ليست بدار تكليف، وكانت تلك الأكلة سبب إهباطه من الجنّة، ولله أن يفعل ما يشاء، وقد قال الله للملائكة حين توجهت إرادته لخلق آدم:{إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} وهذه منقبة عظيمة، وفضيلة كريمة شريفة. هذا فقد روي: أنّ روح موسى التقت مع روح آدم عليهما السّلام، فقال موسى: يا آدم! أكلت من الشجرة حتّى سبّبت لذريتك العناء، والشقاء! فقال آدم: يا موسى! أنت رسول الله، وكليمه، تلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني بآلاف السّنين؟ فحجّ آدم موسى؛ أي: غلبه بالحجّة.
هذا ويسأل: آدم معصوم، فكيف يخالف النّهي؟! وأجيب بوجوه، منها: أنه اعتقد أن النّهي للتنزيه، لا للتّحريم، ومنها: أنّه نسي النّهي، وهو صريح قوله تعالى في سورة (طه) رقم [١١٥]:
{فَنَسِيَ} ومنها: أنه ظنّ نسخه بسبب مقاسمة إبليس له: أنه من النّاصحين، وهو صريح قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٢١]: {وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ} فاعتقد: أنه لا يحلف أحد بالله كذبا. وقد اختلف: هل كان ذلك من آدم قبل النبوة، أو بعدها؟ والظاهر: أنه أعطي النبوة في الأرض. وإلى الذين يكدسون الذنوب والمعاصي، ويؤملون الآمال العراض في دخول جنّة عرضها الأرض والسموات، اذكر قول القائل:[الكامل]
تضع الذّنوب على الذّنوب وترتجي... درج الجنان وطيب عيش العابد
ونسيت أنّ الله أخرج آدما... منها إلى الدّنيا بذنب واحد
هذا؛ وقال ابن المنير-رحمه الله تعالى-: مقتضاه تأويل الآي. ومشعر ظاهرها بعدم وقوع الصّغائر من الأنبياء، تنزيها لهم عنها. وعلى أن تجويز الصغائر عليهم قد قال به طوائف من أهل السنة، وفي طيّ وقوعها ألطاف، وزيادة في الالتجاء إلى الله تعالى، والتواضع له، والإشفاق إلى الخطّائين، والدعاء لهم بالتوبة والمغفرة، كما نقل عن داود-على نبينا وعليه ألف صلاة، وألف سلام: أنه كان بعد ابتلاء الله له يدعو للخطّاءين كثيرا، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٠٦] من سورة (النساء)، وفي الآية رقم [٤٣] من سورة (التوبة)، والآية رقم [٦٨] من سورة (الأنفال).