{وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ} أي: وأحلّ لكم ما سوى ذلكم الذي ذكر من المحرّمات، وظاهر هذه الآية يقتضي حلّ ما سوى المذكورين من الأصناف المحرّمات، لكن قد دلّ الدّليل من السّنّة بتحريم أصناف أخر سوى ما ذكر.
فمن ذلك: أنّه يحرم الجمع بين المرأة، وعمّتها، وبين المرأة، وخالتها، كما رأيته في الآية السّابقة، ومن ذلك: المطلقة ثلاثا، لا تحلّ لزوجها الأوّل حتى تنكح زوجا غيره. ومن ذلك المعتدّة، فلا تحلّ للأزواج حتى تنقضي عدّتها. ومن ذلك: أنّ من كان عنده أربع نسوة حرم عليه أن يتزوج بخامسة. ومن ذلك الملاعنة، فإنّها محرّمة على الملاعن بالتأبيد، لقوله صلّى الله عليه وسلّم:
«المتلاعنان لا يجتمعان». فهذه أصناف من المحرمات سوى ما ذكر في الآيتين. فعلى هذا يكون قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ} ورد بلفظ العموم، لكن العموم دخله التّخصيص، فيكون عامّا مخصوصا.
{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ} أي: وأحلّ لكم أن تطلبوا بأموالكم، أي: تنكحوا بصداق، أو تشتروا بثمن. وفي الآية دليل على أنّ الصداق لا يتقدّر بشيء، فيجوز على القليل، والكثير، وهو مذهب الشّافعي-رضي الله عنه-، لقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الموهوبة:«التمس ولو خاتما من حديد». وقال أبو سعيد الخدري-رضي الله عنه-: سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صداق النّساء، فقال:«هو ما اصطلح عليه أهلوهم». وروى جابر-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو أنّ رجلا أعطى امرأة ملء يديه طعاما؛ كانت به حلالا». أخرجهما الدّارقطنيّ في سننه.
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: لا يكون الصّداق أقل من ربع دينار، أو ثلاثة دراهم كيلا، وعند أبي حنيفة، وأحمد رحمهما الله تعالى: أقلّه عشرة دراهم، واحتجّا بما رواه جابر:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«لا صداق دون عشرة دراهم». أخرجه الدارقطنيّ. قال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-: وفي سنده مبشر بن عبيد متروك الحديث.
{مُحْصِنِينَ:} متعفّفين بالزّواج عن الزنى. {غَيْرَ مُسافِحِينَ:} غير زانين. والسّفاح: الفجور، والزنى، وأصله من السّفح، وهو الصبّ، والسّيلان، قال تعالى:{أَوْ دَماً مَسْفُوحاً،} وإنّما سمّي الزنى سفاحا؛ لأنّ الزاني لا غرض له إلا صب النّطفة، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم حين سمع الدفاف في عرس:«هذا النّكاح، لا السّفاح، ولا نكاح السّرّ».
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ:} الاستمتاع: التلذّذ. والأجور: المهور، وسمّي المهر أجرا؛ لأنّه أجر الاستمتاع. وهذا نصّ في أنّ المهر يسمى أجرا، ودليل على أنّه في مقابلة البضع؛ لأنّ ما يقابل المنفعة يسمّى أجرا. واختلف في معنى الآية، فقال الحسن، ومجاهد، وغيرهما: المعنى: فما أنفقتم، وتلذّذتم بالجماع من النّساء بالنكاح الصّحيح. {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي: مهورهن، فالمهر بدل المنافع ليس بدل الأعيان، كما سمّي بدل الدّار، والدّابة أجرا.