للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قوم: المراد من الآية نكاح المتعة، وهو أن ينكح امرأة إلى مدّة معلومة بشيء معلوم، فإذا انقضت تلك المدّة؛ بانت منه بغير طلاق، ويستبرئ رحمها، وليس بينهما ميراث، وكان هذا في ابتداء الإسلام، ثمّ نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المتعة، فحرّمها. ففي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني عن أبيه: أنّه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس إنّي كنت أذنت لكم في الاستمتاع بالنّساء، وإنّ الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنّ شيء؛ فليخلّ سبيله، ولا تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا». وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من الصّحابة، فمن بعدهم. وعن عليّ-رضي الله عنه-، قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. وفي رواية: الأهلية. أخرجه البخاريّ، ومسلم.

واختلفت الرّوايات عن ابن عباس-رضي الله عنهما-في المتعة، فروي عنه: أنّ الآية محكمة. وكان يرخّص في المتعة، قال عمارة: سألت ابن عباس عن المتعة، أسفاح هي أم نكاح؟ فقال: لا سفاح، ولا نكاح، قلت: فما هي؟ قال: متعة؛ قال تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ}. قلت: هل لها عدّة؟ قال: نعم حيضة، قلت: هل يتوارثان؟ قال: لا. وروي: أنّ النّاس لما ذكروا، وتذاكروا فتيا ابن عباس بالمتعة؛ حتّى قال أحد الشّعراء: [البسيط]

أقول للرّكب إذ طال الثّواء بنا... يا صاح هل لك في فتيا ابن عبّاس؟

في بضّة رخصة الأطراف ناعمة... تكون مثواك حتّى مرجع النّاس

قال: قاتلهم الله! أنا ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق، لكن قلت: إنّما تحلّ للمضطر كما تحلّ الميتة له. وروي: أنّه رجع، وقال بتحريمها. روى عطاء الخراساني عن ابن عباس: أنّها صارت منسوخة، بقوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}. وروى سالم بن عبد الله بن عمر: أنّ عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: ما بال أقوام ينكحون هذه المتعة، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنها؟ لا أجد رجلا نكحها إلا رجمته بالحجارة. وقال: هدم المتعة النكاح، والطلاق، والعدّة، والميراث. وهذا ما اتفق المسلمون عليه جيلا بعد جيل، وقبيلا بعد قبيل، وآخر من تكلّم بحلّها من المسلمين المأمون الخليفة العباسي، وهو ما يلي:

فقد روي: أنّه أباحها للمجاهدين، وهم بعيدون عن أهليهم، فدخل عليه العالم الجليل يحيى بن أكثم-رحمه الله تعالى-وهو يرتعد غضبا، فقال المأمون: ما للإمام يشتاط غضبا؟ فقال الإمام العظيم: كيف لا وقد انتهكت حرمات الله، وأحلّ ما حرّم الله، ورسوله؟! قال المأمون:

ومن فعل ذلك؟ فقال: أمير المؤمنين فعل ذلك. قال: وكيف كان ذلك؟! قال: ألم تحل المتعة؛ وقد حرّمها الله، ورسوله إلى يوم القيامة؟ قال: أليست تحلّ بعقد شرعيّ، ومهر، ورضا،

<<  <  ج: ص:  >  >>