وكبيرا: فتى، وأمّا الأحرار؛ فلا يقال للذّكر فتى، وللأنثى فتاة إلا إذا كانا شابّين، وفي الحديث الصّحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«لا يقولنّ أحدكم عبدي، وأمتي، ولكن ليقل: فتاي، وفتاتي».
وإنّما كان نكاح الأمة منحطّا عن نكاح الحرّة لما فيه من إتباع الولد لأمّه في الرقّ، ولثبوت حقّ السيّد فيها، وفي استخدامها، ولأنّها ممتهنة مبتذلة، خارجة، ولّاجة، وذلك كله نقصان راجع إلى النّاكح، ومهانته، والعزّة والكرامة من صفات المؤمنين.
{وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ} المعنى: إنّ الله أعلم بتفاصيل ما بينكم وبين أرقائكم في الإيمان، ورجحانه، ونقصانه فيهم، وفيكم، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرّة، والمرأة أفضل في الإيمان من الرّجل، وحقّ المؤمنين ألا يعتبروا إلا فضل الإيمان، لا فضل الأحساب، والأنساب، وهذا تأنيس بنكاح الإماء، وترك الاستنكاف منه.
{بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} أي: إنّكم كلّكم من نفس واحدة، فلا تستنكفوا من نكاح الإماء عند الضرورة. وإنّما قيل لهم ذلك؛ لأنّ العرب كانت تفتخر بالأنساب، والأحساب، ويسمّون ابن الأمة: الهجين، إذا كانت الأمة ملكا للواطئ، وإذا لم تكن ملكا له؛ فولدها رقيق مثلها، فأعلم الله: أنّ ذلك أمر لا يلتفت إليه، فلا يتداخلنّكم شموخ، وأنفة من التزويج بالإماء، فإنّكم متساوون في النّسب إلى آدم. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد الله: أنّ المؤمنين بعضهم أكفاء بعض.
{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} أي: اخطبوا الإماء إلى ساداتهنّ: فدلّ على أنّ السيّد هو ولي أمته، لا تزوج إلا بإذنه، وكذلك العبد لا يزوّج نفسه. فعن نافع: أنّ ابن عمر-رضي الله عنهما- أخذ عبدا له نكح بغير إذنه، فضربه الحدّ، وفرّق بينهما، وأبطل صداقها؛ لأنّه كان يرى نكاح العبد بغير إذن وليه زنى. وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج عن عبد الله بن محمّد بن عقيل، قال: سمعت جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما عبد نكح بغير إذن سيّده فهو عاهر». فإن كان مالك الأمة امرأة زوّجها من يزوّج المرأة بإذنها، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لا تزوّج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها، فإنّ الزّانية هي الّتي تزوّج نفسها». هذا؛ وذكرت لك في الآية رقم [٢٢١] من سورة (البقرة) قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا نكاح إلاّ بوليّ، وشاهدي عدل». انظرها هنالك؛ تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك. ويحتجّ أبو حنيفة في الآية، فيقول: إنّ لهنّ أن يباشرن العقد بأنفسهن؛ لأنّه اعتبر إذن الولي في نكاحهنّ لا عقدهنّ، وهو مخالف لرأي الجمهور، كما رأيت فيما تقدم.
{وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ:} أي: وأدّوا إليهن مهورهن بغير مطل، وضرار، وإحواج إلى الاقتضاء واللزوم، وإنّما أضاف الأجور، أي المهور إلى الإماء، والواجب أداؤها إلى أسيادهن، لا إليهن؛ لأنّهن وما في أيديهن مال أسيادهن، فكان أداؤها إليهن أداء إلى السيد، أو هو على حذف مضاف، أصله: فآتوا مواليهن.