للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مُحْصَناتٍ:} عفائف شريفات. {غَيْرَ مُسافِحاتٍ:} غير زانيات، وبين الكلمتين طباق وهو من المحسّنات البديعية. {وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ:} زانيات سرّا، والأخدان جمع: خدن، وهو الصّديق في السّرّ. {فَإِذا أُحْصِنَّ:} زوجن. وقيل: أسلمن، والأول أولى. {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ} أي: بزنى. وسمي الزنى فاحشة لفحشة؛ لأنّه لم تبحه ديانة من الدّيانات. وذكرت ما فيه الكفاية بشأن الزنى في سورة (الإسراء) وغيرها. {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ} أي: من الحدّ الذي على الحرائر. والجمهور على أنّ الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة، سواء أكانت مسلمة، أو كافرة، مزوّجة، أو بكرا، مع أنّ مفهوم الآية يقتضي: أنّه لا حدّ على غير المحصنة من الإماء، وقد قال الجمهور: المنطوق مقدّم على المفهوم، فمن المنطوق ما رواه مسلم في صحيحه عن عليّ-رضي الله عنه-: أنّه خطب، فقال: يا أيّها النّاس أقيموا الحدّ على إمائكم؛ من أحصن منهنّ، ومن لم يحصن، فإنّ أمة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بنفاس، فخشيت إن جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أحسنت! اتركها حتّى تتماثل». وفي رواية: «فإذا تعافت من نفاسها، فاجلدها خمسين».

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا زنت أمة أحدكم، فتبيّن زناها؛ فليجلدها الحدّ، ولا يثرّب عليها (١)، ثمّ إن زنت؛ فليجلدها الحدّ، ولا يثرّب عليها، ثم إن زنت الثالثة، فتبيّن زناها؛ فليبعها ولو بحبل من شعر». أخرجاه في الصّحيحين.

{ذلِكَ:} أي: التّرخيص في نكاح الإماء عند فقد الحرّة، أو عند فقد مئونتها. {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} العنت: المشقة، والتضييق، قال تعالى في سورة (البقرة): {وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ:} وقال تعالى في سورة (آل عمران) محذّرا المؤمنين من الكافرين، والمنافقين: {وَدُّوا ما عَنِتُّمْ} والمراد به هنا: الزّنى. والعنت في الأصل: انكسار العظم بعد الجبر، فاستعير لكلّ مشقّة، وضرر، ولا ضرر أعظم من مواقعة الإثم بأفحش القبائح، وهو الزنى؛ لما يجرّ من الحدّ في الدّنيا، والعقاب الشديد في الآخرة. هذا؛ و {خَشِيَ} مضارعه: يخشى، والمصدر: خشية، والرّجل خشيان، والمرأة خشيا، وهذا المكان أخشى من ذاك، أي: أشد خوفا، وقد يأتي «خشي» بمعنى علم القلبية، قال الشاعر المسلم: [الطويل]

ولقد خشيت بأنّ من تبع الهدى... سكن الجنان مع النّبيّ محمّد

قالوا: معناه: علمت، وقوله تعالى في سورة (الكهف) حكاية عن قول الخضر-عليه السّلام-:

{فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً} قال الأخفش: معناه: كرهنا. هذا؛ والخشية أصلها: طمأنينة في القلب، تبعث على التوقّي. والخوف: فزع القلب تخفّ له الأعضاء، ولخفّة الأعضاء سمّي: خوفا.


١) لا يثرّب عليها: أي لا يوبّخها، ولا يقرّعها بالزنى بعد الضرب. (النهاية).

<<  <  ج: ص:  >  >>