للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ ويفهم من الآية الكريمة: أنّ نكاح الأمة مشروط بشرطين: العجز عن نكاح الحرّة، وخوف الزنى. والحمد لله رب العالمين حيث ألغي الرقّ. ولم يبق للإماء وجود، ولكن لا بدّ من القول: إنّه قد حلّ محل الإماء الآنسات، وبنات العوائل كما يسمّونه في هذا العصر، فهن القينات، والمغنّيات، والرّاقصات، والخالعات، والهالعات المبتذلات.

{وَأَنْ تَصْبِرُوا} أي: وصبركم عن نكاح الإماء متعفّفين خير لكم. قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الحرائر صلاح البيت، والإماء هلاكه». رواه أبو هريرة-رضي الله عنه-، ورواه أبو إسحاق الثّعلبي.

وهذا يعني: أنّ الصبر على العزوبة خير من نكاح الأمة؛ لأنّه يفضي إلى إرقاق الولد، والغضّ من النّفس، والصّبر على مكارم الأخلاق أولى من البذالة.

هذا؛ والصبر: حبس النفس عن الجزع عند المصيبة، وحبس اللّسان عن الشّكوى، وحبس الجوارح عن التّشويش، وهو مرّ المذاق، يكاد لا يطاق، إلا أنّه حلو العواقب، يفوز صاحبه بأسنى المطالب، كما قال القائل: [البسيط]

الصّبر مثل اسمه مرّ مذاقته... لكن عواقبه أحلى من العسل

وبالجملة فنفع الصبر مشهور، والحضّ عليه في الكتاب، والسّنة مقرّر مسطور، وهو على ثلاثة أنواع: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على البلاء، ولا تنس: أنّ من أسماء الله: الصّبور، وفسّر بالذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الرّعد) رقم [٢٢]: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} أي: طلبا لمرضاته، وهذا هو الصبر المحمود، وهو أن يكون الإنسان صابرا لوجه الله تعالى، راضيا بما نزل به من الله. طالبا بذلك الصبر ثواب الله تعالى، محتسبا أجره على الله. فهذا هو الصبر الذي يدخل صاحبه رضوان الله.

وأمّا إذا صبر العبد؛ ليقال: ما أعظم صبره! وما أشدّ قوّته على تحمّل النوائب! أو يصبر لئلا يعاب على الجزع، أو يصبر لئلا تشمت به الأعداء، فهذا كلّه مذموم، ولا ينيل صاحبه الدّرجات العلى، والمقام الرّفيع عند الله، وقد يعرّضه لشديد غضب الله، ونقمته.

هذا؛ والصّبر على أنواع: الصّبر عن المعصية، وله ثلاثمائة درجة، والصّبر على الطاعة، وله ستمائة درجة، والصّبر على البلاء، وله تسعمائة درجة في الجنّة، لكن ذلك لا يكون إلا بالصّبر عند الصّدمة الأولى، كما روى البخاريّ-رحمه الله تعالى-عن أنس-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «إنّما الصّبر عند الصّدمة الأولى». وأخرجه مسلم بأتمّ منه، وقال الأستاذ أبو علي: الصّبر حدّه: ألا تعترض على التّقدير، فأمّا إظهار البلوى على غير وجه الشّكوى؛ فلا ينافي الصّبر. قال تعالى في سورة قصّة أيوب-على نبيّنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-:

{إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ} بعد أن أخبر عنه: أنّه قال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>