للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ اعلم: أنّ الصبر ذكر في القرآن الكريم في خمسة وتسعين موضعا، ومن أجمعها الآية رقم [١٥٥] من سورة (البقرة) وما بعدها: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ..}. إلخ: ومن آنقها قوله تعالى في سورة (ص) في حقّ أيوب-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ} حيث قرن هاء الصّبر بنون العظمة. ومن أبهجها قوله تعالى في سورة (الرعد):

{وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ}. ومن أعظمها بشارة قوله تعالى في سورة (الزمر) رقم [١٠]: {إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ}.

فائدة: قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً:} وقال جل ذكره: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ،} وقال تعالى شأنه: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} قالوا: الصبر الجميل هو الذي لا شكاية معه، والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الذي لا أذية معه.

الإعراب: {وَمَنْ:} الواو: حرف استئناف. ({مَنْ}): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لَمْ:} حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَسْتَطِعْ:} فعل مضارع مجزوم ب‍ {لَمْ} وهو في محلّ جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى ({مَنْ}). {مِنْكُمْ:} جار ومجرور متعلّقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلّقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر، و ({مَنْ}) بيان لما أبهم في ({مَنْ}).

{طَوْلاً:} مفعول به. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {يَنْكِحَ:} فعل مضارع منصوب ب‍ {أَنْ،} والفاعل يعود إلى ({مَنْ})، والمصدر المؤول منهما في محلّ نصب مفعول به ل‍ {طَوْلاً} أو هو بدل من: {طَوْلاً} بدل كلّ من كلّ، أو في محل جر بحرف جر بمحذوف، يقدر ب‍ «إلى» أو بلام التعليل، وعلى الاعتبارين فالجار والمجرور متعلّقان بمحذوف صفة: {طَوْلاً}. هذا؛ وقيل: إنّ {طَوْلاً} مفعول لأجله، كما قيل: مفعول مطلق لفعل محذوف، والمعتمد الأوّل.

{الْمُحْصَناتِ:} صفة لموصوف محذوف، التقدير: أن ينكح النّساء المحصنات. {الْمُؤْمِناتِ:}

صفة ثانية، فهما منصوبان، وعلامة نصبهما الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنّهما جمعا مؤنث سالمان. {فَمِنْ ما:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (من ما): متعلّقان بفعل محذوف، التقدير: فلينكح من ما... إلخ. وقيل: هما متعلّقان بمحذوف صفة لموصول محذوف، التقدير:

فلينكح امرأة كائنة ممّا. وقيل: متعلّقان بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: فالمنكوحة ممّا... إلخ. والكلام على جميع الاعتبارات في محلّ جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محلّ له؛ لأنّه لم يحلّ محلّ المفرد. {مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ:} انظر إعراب هذه الجملة في الآية السابقة، ومحلّها، وما ذكرته فيها. {مِنْ فَتَياتِكُمُ:} متعلّقان بمحذوف حال من مفعول: {مَلَكَتْ}. {الْمُؤْمِناتِ:} صفة لما قبله. وقيل: هو صفة لموصوف محذوف واقع مفعولا به للفعل المقدّر، التقدير: من فتياتكم الفتيات المؤمنات، وفيه تكلّف لا يخفى، وخبر المبتدأ الذي هو ({مَنْ}) مختلف فيه، فقيل: هو جملة الشرط. وقيل: هو جملة الجواب. وقيل:

الجملتان، وهو المرجّح لدى المعاصرين. هذا؛ وإن اعتبرت: ({مَنْ}) اسما موصولا؛ فهو مبتدأ،

<<  <  ج: ص:  >  >>