للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما أنفقوا من أموالهم يعني: وبما أعطوا من مهور النّساء، والنّفقة عليهنّ. فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». أخرجه الترمذيّ. هذا؛ وفهم العلماء من هذه الجملة: أنّ الزّوج متى عجز عن نفقتها؛ لم يكن قوّاما عليها، وإذا لم يكن قواما عليها؛ كان لها فسخ العقد لزوال المقصود؛ الّذي شرع لأجله النكاح، وهو النّفقة عليها، وهو مذهب مالك، والشّافعي. وقال أبو حنيفة: لا يفسخ العقد. لقوله تعالى في سورة (البقرة): {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}.

{فَالصّالِحاتُ..}. إلخ هذا كلّه خبر، ومقصوده الأمر بطاعة الزّوج، والقيام بحقّه في ماله، وفي نفسها في حال غيبته. وفي مسند أبي داود عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير النّساء الّتي إذا نظرت إليها؛ سرّتك، وإذا أمرتها؛ أطاعتك، وإذا غبت عنها؛ حفظتك في نفسها، ومالك». قال: وتلا هذه الآية: {الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ}. وقال صلّى الله عليه وسلّم لعمر-رضي الله عنه-: «ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء؟ المرأة الصّالحة، إذا نظر إليها؛ سرّته، وإذا أمرها؛ أطاعته، وإذا غاب عنها؛ حفظته». أخرجه أبو داود أيضا.

ومعنى: {بِما حَفِظَ اللهُ} أي: بما حفظ من الله حين أوصى بهنّ الأزواج، وأمرهم بأداء المهر، والنّفقة إليهنّ. وقيل: المعنى: بما حفظهنّ الله، وعصمهنّ، ووفّقهن لحفظ الغيب.

{وَاللاّتِي تَخافُونَ} أي: تعلمون، وتتيقّنون، مثل قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٢٩]: {إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ}. وقيل: الخوف فيهما بمعنى الظن. {نُشُوزَهُنَّ:} عصيانهنّ، وترفّعهن عن طاعة الأزواج. قال ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: هو أن تستخفّ بحقوق زوجها، ولا تطيع أمره، وترفع صوتها عليه. والنّشوز مأخوذ من النّشز، وهو ما ارتفع من الأرض، يقال: نشز الرّجل، ينشز، وينشز: إذا كان قاعدا، فنهض قائما، ومنه قوله تعالى في سورة (المجادلة): {وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا،} وقال أبو منصور اللغوي: النّشوز: كراهية كلّ واحد من الزوجين صاحبه، يقال: نشزت، تنشز، فهي ناشز بغير هاء.

{فَعِظُوهُنَّ} أي: بكتاب الله، أي: ذكّروهن ما أوجب الله عليهنّ من حسن الصّحبة، وجميل العشرة للزّوج، والاعتراف بالدّرجة التي له عليها، ويذكر له قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما امرأة ماتت؛ وزوجها عنها راض؛ دخلت الجنّة». رواه ابن ماجة، والترمذيّ عن أمّ سلمة-رضي الله عنها-وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت بعلها؛ قيل لها: ادخلي من أيّ أبواب الجنّة شئت». رواه الإمام أحمد، والطبرانيّ عن عبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنه-. وقال للسّائلة عن حقّ الزوج: «من حقّه أن لو سال منخراه دما، وقيحا، فلحسته بلسانها؛ ما أدّت حقّه، ولو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر؛ لأمرت المرأة

<<  <  ج: ص:  >  >>