الخطاب. وقيل لهم: لا تدخلوا في الصلاة، وتحرموا بها في حال سكركم، ونهى عن قربان الصّلاة في حال السّكر، وهو أبلغ في النّهي عن الصّلاة في تلك الحالة. والقاعدة: أنّ الأحكام إذا كانت نواهي؛ يقال فيها: لا تقربوها؛ على حدّ قوله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى،} و {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ} وهكذا، وإن كانت أوامر، يقال فيها: لا تعتدوها، أي: لا تتجاوزوها، كما في قوله تعالى في سورة (البقرة): {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها}. هذا وقيل: المراد بالصلاة: أمكنتها، وهي المساجد. و {سُكارى} يقرأ بفتح السين وضمها، كما قرئ:(«سكرى») كهلكى، على أنّه جمع، أو مفرد بمعنى: وأنتم قوم سكرى.
{حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ} أي: في صلاتكم من الذكر، وقراءة القرآن. وهذا كان قبل نزول تحريم الخمر، كما ستعرفه. {وَلا جُنُباً} أي: في حال الجنابة، والجنب يستوي فيه الواحد، والجمع، والمذكر، والمؤنث؛ لأنّه اسم جرى مجرى المصدر الّذي هو: الإجناب، وأصل الجنابة: البعد، سمّي الذي أصابته الجنابة جنبا؛ لأنّه يتجنّب الصلاة، والمسجد. وقيل:
لمجانبته النّاس؛ حتّى يغتسل، قال علقمة بن عبدة:[الطويل]
فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة... فإنّي امرؤ وسط القباب غريب
هذا؛ والجنابة تحصل بخروج المنيّ بأيّ سبب كان، وبإدخال الحشفة في فرج، ولو بهيمة، ولو من غير إنزال.
هذا؛ ويحرم على الجنب خمسة أشياء: الصّلاة، والطّواف، وقراءة القرآن، ودخول المسجد، ومسّ المصحف، وحمله. {إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} العابر هاهنا: اسم فاعل من العبور، وهو قطع الطريق من هذا الجانب إلى الجانب الآخر. واختلف العلماء في معناه على قولين:
أحدهما: أنّ المراد بالعبور في المسجد، وذلك أنّ قوما من الأنصار، كانت أبوابهم في المسجد، فتصيبهم الجنابة، ولا ماء عندهم، ولا ممرّ لهم إلا في المسجد، فرخّص لهم العبور فيه. فعلى هذا يكون المراد بالصّلاة موضع الصّلاة. والمعنى: لا تقربوا المسجد، وأنتم جنب إلا مجتازين فيه، إمّا للخروج منه، أو للدخول فيه، مثل أن يكون قد نام في المسجد، فأجنب، فيجب الخروج منه، أو يكون الماء في المسجد، فيدخله إليه، أو يكون طريقه عليه، فيمر فيه من غير إقامة. وهذا قول ابن مسعود، وأنس، والحسن البصري، وكثير من التابعين، وإليه ذهب الشّافعي، وأحمد-رضي الله عنهم-.
القول الثاني: أنّ المراد من قوله: {إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ} المسافرون، والمعنى: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا أن تكونوا مسافرين، ولم تجدوا ماء، فتيمّموا. فمنع الجنب من الصّلاة؛ حتّى يغتسل، إلا أن يكون في سفر، ولا ماء معه، فيتيمّم، ويصلّي إلى أن يجد ماء، فيغتسل.