وهذا قول عليّ، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، فمن جعل عابري السبيل المسافرين؛ منع الجنب من العبور في المسجد. وهو مذهب أبي حنيفة، رحمه الله تعالى.
وصحّح ابن جرير الطبري، والواحدي القول الأول، ويدلّ عليه: أنّ جميع القراء استحسنوا الوقف على قوله: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا}.
تنبيه: اختلف العلماء في العبور في المسجد، فأباحه قوم على الإطلاق، وهو قول الحسن، وبه قال مالك، والشّافعي. ومنعه قوم على الإطلاق، وهو قول أصحاب الرأي. وقال قوم: يقيم للعبور في المسجد. واختلف العلماء في المكث في المسجد أيضا للجنب، فمنعه أكثر أهل العلم، وقالوا: لا يجوز للجنب المكث في المسجد بحال، لما روي عن عائشة-رضي الله عنها-قالت: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال:«وجّهوا هذه البيوت عن المسجد» فخرج إليهم بعد، فقال:«وجّهوا هذه البيوت عن المسجد، فإنّي لا أحلّ المسجد لحائض، ولا جنب». أخرجه أبو داود. وجوز الإمام أحمد المكث في المسجد للجنب بشرط الوضوء. وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقرأ الجنب، ولا الحائض، ولا النّفساء من القرآن شيئا». أخرجه الدّارقطني.
{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى:} جمع مريض، وأراد به المرض الذي يضرّ معه إمساس الماء، فيخاف من استعماله التلف، أو زيادة المرض، فإنّه يتيمّم، ويصلي مع وجود الماء، وإن كان بعض أعضائه صحيحا، وبعضها جريحا؛ غسل الصّحيح، ويتيمّم عن الجريح في الوجه واليدين، لما روي عن جابر-رضي الله عنه-، قال: خرجنا في سفرنا، فأصاب رجلا منّا حجر، فشجّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمّم؟ فقالوا: ما نحد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء، فاغتسل، فمات، فلمّا قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبر بذلك، فقال:«قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنّما شفاء العيّ السّؤال، إنّما كان يكفيه أن يتيمّم، ويعصر، أو يعصب-شكّ الرّاوي-على جرحه خرقة، ثمّ يمسح عليه، ويغسل سائر جسده». أخرجه أبو داود، والدارقطني.
ولم يجوّز أصحاب الرأي الحنفيّة الجمع بين الغسل، والتيمم، قالوا: إذا كان أكثر أعضائه أو بدنه صحيحا غسل الصحيح، ولا يتيمّم عليه، وإن كان الأكثر جريحا؛ اقتصر على التيمّم.
والحديث حجّة لمن أوجب الجمع بين الغسل، والتيمّم.
{أَوْ عَلى سَفَرٍ} يعني: أو كنتم مسافرين، وأراد به السّفر الطّويل، والقصير، وعدم الماء، فإنّه يتيمّم، ويصلّي، ولا إعادة عليه، لما روي عن أبي ذر-رضي الله عنه-قال: اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي: من مال الزّكاة، فقال:«يا أبا ذرّ! ابد فيها» أي: أخرج إلى البادية فيها، فبدوت إلى الربذة، فكانت تصيبني الجنابة، فأمكث الخمس، والستّ، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم