للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخبرته، فقال: «ثكلتك أمّك يا أبا ذرّ! لأمّك الويل!» فدعا بجارية سوداء، فجاءت بعسّ فيه ماء، فسترتني بثوب، واستترت بالرّاحلة، فاغتسلت، فكأني ألقيت عني جبلا، فقال صلّى الله عليه وسلّم:

«الصّعيد الطّيّب وضوء المسلم إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء؛ فأمسّه جلدك، فإنّ ذلك خير». أخرجه أبو داود.

أمّا إذا لم يكن الرّجل مريضا، ولا على سفر، وعدم الماء في موضع لا يعدم فيه غالبا؛ فإنّه يتيمّم، ويصلي، ثمّ يعيد إذا وجد الماء، وقدر عليه. وبه قال الشّافعيّ. وقال مالك، والأوزاعيّ: لا إعادة عليه، وقال أبو حنيفة: يؤخّر الصّلاة حتّى يجد الماء.

{أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ:} الغائط: المكان المطمئن من الأرض، وجمعه: الغيطان، وكانت عادة العرب إتيان الغائط للحدث، فكنوا به عن الحدث، وذلك أنّ الرّجل منهم كان إذا أراد قضاء الحاجة طلب غائطا من الأرض-يعني: مكانا منخفضا من الأرض-يحجبه عن أعين الناس، فسمّي الحدث بهذا الاسم، فهو من باب تسمية الشّيء باسم مكانه.

{أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ:} إذا أفضى الرّجل بيده، أو بشيء من بدنه إلى شيء من بدن المرأة، ولا حائل بينهما؛ انتقض وضوؤهما، وهو قول ابن مسعود، وابن عمر، وبه قال الزّهري، والأوزاعيّ، والشّافعيّ، لما رواه الشافعي بسنده عن ابن عمر: أنّه قال: «قبلة الرّجل امرأته، وجسّها بيده من الملامسة، فمن قبّل امرأته، أو جسّها بيده؛ فعليه الوضوء». أخرجه مالك في الموطّأ. وقال الشافعي: وبلغنا عن ابن مسعود مثله، وقال مالك، والليث بن سعد، وأحمد: إذا كان اللمس بشهوة؛ انتقض الوضوء، وإن لم يكن بشهوة؛ فلا. وقال أبو حنيفة: لا ينتقض الوضوء باللّمس إلا أن يحدث الانتشار، وقال: إنّ {لامَسْتُمُ} بمعنى: جامعتم، ويؤيد الأوّل قراءة: («لمستم») واللّمس يطلق في الشّرع على الجسّ باليد، قال تعالى في سورة (الأنعام): {وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} أي: جسّوه. وقال صلّى الله عليه وسلّم لماعز حين أقرّ بالزنى يعرض له بالرجوع عن الإقرار: «لعلّك قبلت، أو لمست». وفي الحديث الصحيح: «واليد تزني، وزناها اللّمس». وقالت عائشة-رضي الله عنها-: قلّ يوم إلا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطوف علينا، فيقبّل، ويلمس، ولا دليل فيه لعدم النّقض، بل هو دليل على أنّ اللّمس: الملامسة، لا الجماع.

{فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً:} اعلم أنّ التيمم من خصائص هذه الأمّة، خصّها الله به؛ ليسهل عليهم أسباب العبادة، ويدلّ على ذلك ما روي عن حذيفة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فضّلنا على النّاس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلّها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا؛ إذا لم نجد الماء». أخرجه مسلم.

وكان سبب بدء التيمّم ما روي عن عائشة-رضي الله عنها-، قالت: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره حتّى إذا كنّا بالبيداء، أو بذات الجيش؛ انقطع عقد لي، فأقام رسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>