صلّى الله عليه وسلّم على الناس، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى النّاس إلى أبي بكر -رضي الله عنه-فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبالنّاس معه، وليس معهم ماء؟ فجاء أبو بكر، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم واضع رأسه على فخذي؛ قد نام، فقال: حبست رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والناس، وليس معهم ماء قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده بخاصرتي، فلا يمنعني من التّحرّك، إلا مكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمّم، فتيمّموا، فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه-وهو أحد النّقباء-: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر! قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته. أخرجاه في الصّحيحين.
واختلف في الصّعيد الطيب: فقال الشافعي-رحمه الله تعالى-: لا يقع اسم الصعيد إلا على تراب ذي غبار، وهو القدوة في اللّغة، وقوله في ذلك حجّة، وقد وافقه على ذلك الفراء، وأبو عبيدة في أنّه التراب. وجميع الأقوال في الصّعيد صحيحة في اللّغة، وقد قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الصّعيد: هو التراب، ولأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:«جعلت لي الأرض مسجدا، وترابها طهورا». فخصّ التراب بالطّهور، ولأنّ الله تعالى وصف الصّعيد بالطّيب، والطّيب من الأرض الّذي هو ينبت فيها، بدليل قوله تعالى في سورة (الأعراف): {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ} فعلى هذا ما لا ينبت ليس بطيّب، وللشّافعي أيضا قوله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} وكلمة (من) للتبعيض هنا، ولا يأتي ذلك في الصّخر الذي لا تراب عليه. وأيضا فإنّه يقال للغبار: صعيدا؛ لأنّه مأخوذ من الصّعود، وهو الارتفاع، ولا يكون ذلك في الصّخر، وما أشبهه.
وذهب أبو حنيفة، ومالك-رحمهما الله تعالى-إلى أنّه يجوز التيمّم بكل ما هو من جنس الأرض، كالرّمل، والجصّ، والنّورة والزّرنيخ، ونحو ذلك حتى لو ضرب يده على صخرة ملساء، لا غبار عليها؛ صحّ تيمّمه عندهم، واحتجّوا بظاهر الآية، قالوا: لأنّ التيمّم القصد، والصّعيد اسم لما تصاعد من الأرض، فقوله تعالى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} أي: اقصدوا أرضا، فوجب أن يكون هذا القدر كافيا.
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ:} الوجه الممسوح في التيمّم هو المحدود في الوضوء، وفي اليدين إلى المرافق، وذلك يكون بضربتين: ضربة للوجه، وضربة لليدين.
{إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا:} يتجاوز عن ذنوب عباده، ويعفو عنهم، ويصفح، فهو صيغة مبالغة.
{غَفُوراً:} ستورا على عباده، يغفر الذنوب، ويسترها. وفيه تنبيه على أنّ الله تعالى رخّص لعباده أمر العبادة، ويسّرها عليهم؛ لأنّ من كانت عادته أن يغفر الذّنوب، ويسترها؛ كان أولى بأن يرخّص للعاجزين أمر العبادة.