للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُدْنا إِلَيْكَ أو سمّوا بذلك نسبة إلى يهودا بن يعقوب، وهو أكبر أولاده. {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ} أي: يغيّرون كلام الله في التوراة، ويبدّلونه، فكانوا يغيّرون صفات الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الموجودة في التوراة، فقد وضعوا مكان أبيض ربعة: آدم طوال، وهكذا. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كانت اليهود يأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيسألونه عن الأمر، فيخبرهم به، فيرى: أنّهم يأخذون بقوله، فإذا خرجوا من عنده؛ حرّفوا كلامه. وانظر الآية رقم [٤١٢] من سورة (المائدة) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.

هذا؛ وقرئ: «الكلم» بكسر الكاف وسكون اللام، وبفتح الكاف وكسر اللام، وهو جمع:

كلمة، وهو مؤلف من كلمتين، أو أكثر، أفاد فائدة، أم لم يفد. وأمّا الكلام فلا يكون إلا من كلمتين، أو أكثر، أفاد فائدة يحسن السكوت عليها، قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-: [الرجز]

كلامنا لفظ مفيد كاستقم... واسم وفعل ثمّ حرف الكلم

واحده كلمة والقول عم...

{وَيَقُولُونَ سَمِعْنا} أي: قولك بآذاننا. {وَعَصَيْنا:} أي: أمرك بقلوبنا، وجوارحنا. وذلك:

أنّهم كانوا إذا أمرهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأمر؛ قالوا في الظاهر: سمعنا، وقالوا في الباطن: عصينا. وهذا أبلغ في الكفر، والعناد. {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} أي: اسمع ما نقول، لا سمعت؛ والكلام ذو وجهين: يحتمل الخير، والشرّ، فأصله للخير، أي: لا سمعت مكروها، ولكن اليهود اللّؤماء، كانوا يقصدون به الدّعاء على الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ أي: لا أسمعك الله، وهو دعاء عليه بالصّمم، أو بالموت. أو: اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه، أو: اسمع غير مسمع كلاما ترضاه. أو:

اسمع كلاما غير مسمع إيّاك؛ لأنّ أذنك تنبو عنه.

{وَراعِنا} معناها في العربية: أنظرنا، وتمهّل علينا، وهي في لغة اليهود سبّ من الرّعونة، وكانوا يقولون لأصحابهم: إنّنا نشتم محمدا، ولا يعرف، ولو كان نبيّا؛ لعرف ذلك، فأطلعه الله على خبث ضمائرهم، وسوء نيّاتهم، وما في قلوبهم من العداوة، والبغضاء. ومثل هذه الآية في معناها، ومغزاها قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٠٤]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا..}. إلخ.

{لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ:} أي: صرفا للكلام عن نهجه الصّحيح إلى نسبة السّبّ؛ حيث وضعوا:

{غَيْرَ مُسْمَعٍ} موضع: لا سمعت مكروها، وأجروا: راعنا، مجرى: أنظرنا. وأصل ليّا: لويا فقلبت الواو ياء، ثم أدغمت الياء في الياء. وأصل اللّي: فتل الحبل، فاستعير هنا للكلام الذي قصد به غير ظاهره.

(ألسنتهم): جمع لسان، وهو على هذا مذكّر، كحمار، وأحمرة، ويجمع أيضا على:

ألسن. وهو على هذا مؤنّث، كذراع، وأذرع. ويجمع أيضا على: لسن بضم اللام، وضم

<<  <  ج: ص:  >  >>