للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الآية دلالة على: أنّ اليهودي يسمّى مشركا في عرف الشّرع. وقيل: إنّ الآية نزلت في وحشي، وأصحابه، وذلك لمّا قتل وحشيّ حمزة-رضي الله عنه-ورجع إلى مكّة؛ ندم هو وأصحابه، فكتبوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّا قد ندمنا على ما صنعنا، وإنّه ليس يمنعنا من الإسلام إلا أنّا سمعناك بمكّة، تقول: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ..}. إلخ الآيات من سورة (الفرقان) وقد دعونا مع الله إلها آخر، وقتلنا النفس الّتي حرم الله، وزنينا، فلولا هذه الآية؛ لاتّبعناك، فنزلت: {إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً..}. إلخ الآيتان من سورة (الفرقان) بعد الأولى، فبعث بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فلمّا قرءوهما؛ كتبوا إليه: هذا شرط شديد، ونخاف ألا نعمل عملا صالحا، فنزلت: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ} فبعث بها إليهم، فبعثوا إليه: إنّا نخاف ألا نكون من أهل المشيئة، فنزلت: {قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ..}. إلخ الآية من سورة (الزمر) فبعث بها إليهم، فدخلوا في الإسلام، ورجعوا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقبل منهم.

ثم قال لوحشي: «أخبرني كيف قتلت حمزة؟» فلمّا أخبره، قال: «ويحك! غيّب وجهك عنّي». فلحق بالشّام، فكان به إلى أن مات. انتهى خازن. والمشهور: أنّ هذا كان بعد فتح مكة، بعد أن أهدر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم دم وحشي فيمن أهدر، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، فتوسّل ببعض الصّحابة، فأدله على النبي الكريم، فعفا عنه، وحصل ما حصل من المناقشة شفاها، ونزلت الآيات تباعا، أو متفرقات. ولحوق وحشي بالشّام كان بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم بزمن طويل؛ إذ كان بعد فتح بلاد الشام في زمن الفاروق-رضي الله عنه-. والمشهور: أنّه أقام في بلاد الحجاز. وحارب في حروب الردّة، وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب، وكان يقول: قتلت خير رجل في الإسلام، وشرّ رجل في الكفر، وأرجو أن تكون هذه بهذه! ويروى: أنّه لمّا قال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك! غيّب وجهك عنّي!» قال: أنبيّ، وحقود؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «بل نبيّ، وفقود».

بعد هذا: المراد بالشّرك مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود انتظاما أوّليّا، فإنّ الشرع قد نصّ على شرك أهل الكتاب قاطبة، وقضى بخلود أصناف الكفرة في النّار. {وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ} أي:

ما دون الشّرك من الذنوب صغائرها، وكبائرها. {لِمَنْ يَشاءُ} أي: لمن يتكرّم الله عليه، ويتفضّل بالعفو، والإحسان. {اِفْتَرى:} فعل، واقترف {إِثْماً:} ذنبا.

وفي الآية تهديد، ووعيد لليهود، فإنّهم كانوا يفعلون ما يفعلون من التّحريف في التوراة، ويطمعون في المغفرة، كما قال تعالى عنهم في سورة (الأعراف) رقم [١٦٩]. {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا} ولمّا هددهم الله بهذه الآية؛ قالوا:

لسنا مشركين، بل نحن من خواصّ خلق الله، كما حكى الله عنهم قولهم في سورة (البقرة):

{وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً،} وحكى عنهم: أنهم قالوا: {وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>