وصعد السّطح، فطلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المفتاح، فقيل له: إنّه مع عثمان، فطلب منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المفتاح: فأبى، وقال: لو علمت: أنّه رسول الله؛ لم أمنعه المفتاح. فلوى علي-رضي الله عنه- يده وأخذ منه المفتاح، وفتح الباب، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم البيت، وصلّى فيه ركعتين، فلمّا خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح، وأن يجمع له بين السّقاية، والسّدانة، فأنزل الله الآية الكريمة، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّا-رضي الله عنه-أن يردّ المفتاح إلى عثمان، ويعتذر إليه، ففعل ذلك، فقال له عثمان: آذيت، وأكرهت، ثم جئت تترفّق، فقال عليّ-رضي الله عنه-: لقد أنزل الله في شأنك قرآنا، وقرأ عليه الآية، فقال عثمان-رضي الله عنه-: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة، لا يأخذها منكم إلاّ ظالم». فكان المفتاح معه إلى أن مات، فدفعه إلى أخيه شيبة، فالمفتاح، والسّدانة في أولادهم إلى يوم القيامة.
هذا؛ وأثبت أبو عمر بن عبد البر، وابن منده، وابن الأثير: أنّ عثمان بن طلحة-رضي الله عنه- هاجر إلى المدينة في هدنة الحديبية سنة ثمان مع خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص-رضي الله عنهم أجمعين-. انتهى خازن بتصرّف. فيكون من السّابقين.
هذا؛ و (الأمانة) مصدر، وحقّ المصادر ألا تجمع؛ لأنّها كالفعل يدلّ على الكثير، والقليل من جنسه، ولكن لمّا اختلفت أنواع الأمانة؛ جاز جمعها؛ لأنّها لمّا اختلفت أنواعها شابهت المفعول به، فجمعت كما يجمع المفعول به، كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى في سورة (المعارج): {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ}. والأمانة: خلق من الأخلاق الفاضلة، وصفة من الصفات النبيلة، وأصل من أصول الديانات، ولذلك أكّدت جميع الشرائع أمرها، وحثّت على الاتصاف بها، وبالإضافة لما ذكرته في سورة (آل عمران) رقم [٧٥] أذكر هنا ما يلي:
فالأمانة تجري في كل شئون الحياة، فمن أسرّ إليك سرّا؛ فقد أودع عندك أمانة، ومن استشار غيره في أمر دنيويّ؛ فهو أمانة، والمال في يد الإنسان أمانة، والولد في يد الإنسان أمانة. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الله سائل كلّ راع عمّا استرعاه، حفظ، أم ضيّع؛ حتّى يسأل الرّجل عن أهل بيته». رواه ابن حبّان في صحيحه عن الحسن-رضي الله عنه-. وعن أنس -رضي الله عنه-. وجوارح الإنسان كلّها أمانة، والتّكاليف الإلهيّة كلّها أمانة، ومعاملات النّاس كلّها أمانة، وخذ ما يلي:
عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: «القتل في سبيل الله يكفّر الذّنوب كلّها إلاّ الأمانة، قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة، وإن قتل في سبيل الله، فيقال: أدّ أمانتك، فيقول: أي ربّ كيف؛ وقد ذهبت الدّنيا؟ فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فينطلق به إلى الهاوية، وتمثّل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه، فيراها، فيعرفها، فيهوي في أثرها حتّى يدركها، فيحملها على منكبيه حتّى إذا ظنّ: أنّه خارج؛ زلّت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين. ثمّ قال: