للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصّلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة-وأشياء عدّدها-وأشدّ ذلك الودائع». رواه البخاريّ، وأحمد، والبيهقيّ موقوفا. وذكر عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب الزهد: أنّه سأل أباه عنه، فقال: إسناد جيّد. هذا؛ وجميع النعم التي أنعم الله بها على الإنسان أمانة؛ وما أكثرها! قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها}.

{وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} أي: ويأمركم الله أن تعدلوا بين الناس في أحكامكم. ويدخل في ذلك جميع الخلق، والخطاب يعمّ كلّ من تولّى الحكم بين اثنين من ولاة، وغيرهم. فعن ابن عباس-رضي الله عنهما-عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستّين سنة، وحدّ يقام في الأرض بحقّه أزكى فيها من مطر أربعين صباحا». رواه الطّبرانيّ في الكبير، والأوسط، وكلمة «إمام» تعمّ، وتشمل كلّ من تولّى شأنا من شئون المسلمين، وأمرا من أمورهم، فهو يتدرّج من رئيس الدّولة إلى المحافظ.. إلى الشّرطي الذي يتولى التّحقيق بين اثنين متخاصمين. وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرّحمن-وكلتا يديه يمين-الّذين يعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما ولوا». رواه مسلم، والنّسائي. وأحقّ الناس بالعدل الأهل، وهو يشمل الزّوجة، والأولاد.

و (أهل) اسم جمع، لا واحد له من لفظه، مثل: معشر، ورهط، ونفر... إلخ. والأهل:

العشيرة، وذوو القربى. ويطلق على الزّوجة، والأولاد، وعلى الأتباع أيضا، وجمعه: أهلون وأهال، وآهال، وأهلات، وبالأولين قرئ قوله تعالى في سورة التّحريم: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ}.

{وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا..}. إلخ أي: ويأمركم بأن تحكموا بالحق، والإنصاف، وإذا قضيتم بين الناس، فلا تميلوا عن الحق إلى أحد المتخاصمين. {إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً:}

لأقوالكم، {بَصِيراً:} بأعمالكم. وصف الله تعالى نفسه بأنّه سميع بصير، يسمع ويرى، كما قال تعالى في سورة طه لموسى وهارون على نبينا وحبيبنا وعليهما ألف صلاة، وألف سلام: {إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى،} والمعنى: فإذا حكمتم؛ فهو يسمع حكمكم، وإذا أديتم الأمانة؛ فهو يبصر فعلكم. وأصل العدل هو المساواة في الأشياء، فكل ما خرج عن الظلم، والاعتداء سمّي عدلا. قال بعض العلماء: ينبغي للقاضي أن يسوّي بين الخصمين في خمسة أشياء: في الدّخول عليه، والجلوس بين يديه، والإقبال عليهما، والاستماع منهما، والحكم بالحق فيما لهما، وعليهما. وحاصل الأمر فيه أن يكون مقصود الحاكم بحكمه إيصال الحقّ إلى مستحقّه، وأن لا يمتزج بغرض آخر. هذا؛ وذكر لفظ الجلالة في ثلاث جمل لتربية المهابة في النّفوس، ولتعظيمه في القلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>